كريون :
وكيف جرؤت على مخالفة هذا الأمر؟
أنتيجونا :
ذلك لأنه لم يصدر عن «ذوس» ولا عن «العدل» مواطن آلهة الموتى، ولا عن غيرهما من الآلهة الذين يشرعون للناس قوانينهم، وما أرى أن أمورك قد بلغت من القوة بحيث تجعل القوانين التي تصدر عن رجل أحق بالطاعة والإذعان من القوانين التي تصدر عن الآلهة الخالدين، تلك القوانين التي لم تكتب، والتي ليس إلى محوها من سبيل، لم توجد هذه القوانين منذ اليوم ولا منذ أمس؛ هي خالدة أبدية، وليس من يستطيع أن يعلم متى وجدت. ألم يكن من الحق علي إذا أن أذعن لأمر الآلهة من غير أن أخشى أحدا من الناس؟ قد كنت أعلم أني ميتة ... ومن ذا الذي يعيش من الآلام في مثل هذه الهوة التي أعيش فيها ثم لا يرى الموت سعادة وخيرا ... وقد كنت أتعرض لما هو أشد لنفسي إيذاء لو أني تركت بالعراء أخا حملته الأحشاء التي حملتني.
وجعل الملك يبدي من دهشته لجرأة الفتاة، وجعلت الفتاة تبدي من فخرها لأدائها واجبها، قائلة فيما قالت: «وأي مجد أحب إلي من أني قد واريت أخي؟»ويسألها الملك: ألا يخزيها أن تسلك سبيلا غير السبيل التي سلكها أهل ثيبة جميعا حين أطاعوا أمره؟ فتجيبه: ليس هناك ما يحمل على الخزي إذا شرف الإنسان من يصل الدم بينهم وبينه.ويلفت كريون الملك نظر أنتيجونا إلى أنها قد كان لها أخوان، لا أخ واحد، أحدهما دافع عن وطنه فاستحق التشريف، وجاء الآخر يدمر وطنه فاستحق اللعنة، فكيف يسوغ لها - إذا - أن تسوي بين الأخوين في المعاملة، فتجيبه أنتيجونا بأنها لا تفرق بين أخويها، فكلاهما أخوها لأبيها وأمها، وإن الآلهة لتأمرها بتشريفهما جميعا.ولا يجد الملك بدا من أن يأمر بالفتاة فتلقى في كهف حتى تموت، لكن الأديب الفنان سوفوكليس، يمضي في تعقيد الأمور، ليتبين مشاهد المسرحية كيف ينصب البلاء على من يحاول العبث بتقاليد الناس؛ لأن التقاليد في عصره لم تزل أقوى من قوانين الدولة، فهو ينتصر لأنتيجونا، راعية التقاليد على كريون مشرع القوانين، فجعل «هيمون» بن كريون وخاطب أنتيجونا، يلقي بنفسه وراء حبيبته في كهفها، فيموتان معا، وتسمع الملكة - زوجة كريون - أن ابنها قد لقى حتفه ثمنا لعناد أبيه، فتنتحر حزنا عليه، فتنزل الكروب بالملك: «مثل سيئ ضرب للناس يبين لهم ماذا يجر الهوس على الملوك أنفسهم.»
كريون :
قودوني إلى مكان بعيد، أنا هذا الشخص المجنون! أي بني لقد قتلتك دون أن أريد، ولقد قتلتك أنت أيضا أي أوريديس (الملكة) وا حسرتاه! لست أدري إلى أيكما أنظر، ولا إلى أي جهة أتحول، لقد فقدت كل شيء، لقد ألح على رأسي قضاء لا يطاق.
رئيس الجوقة :
إن الحكمة لأول ينابيع السعادة ... إن غرور المتكبرين ليعلمهم الحكمة بما يجر عليهم من الشر، ولكنهم لا يتعلمون إلا بعد فوات الوقت وتقدم السن.
ونعود فنسأل القارئ: ماذا ترى من نفسك، وإلى أي جهة تميل؟ أتناصر أنتيجونا أم تناصر الملك؟ إن انتصارك لأنتيجونا انتصار للأسرة على الأمة حين ينشأ التعارض بينهما، وانتصارك للملك انتصار للقانون على حكم التقاليد - ما أحسبك إلا ذاهبا بعطفك وعاطفتك مع أنتيجونا؛ لأنك - مثلي - قد نشأت في جو يقرب إلى قلبك الأهل بأشد وأقوى مما يقرب المواطنين «الغرباء»، وقد يهون شر ذلك في مثلك ومثلي، لأن كلينا ليس من أصحاب الحكم، فإيثاره لجانب على جانب ليس بذي خطر بعيد، لكن الطامة الكبرى حين يتأثر أصحاب الحكم بما نتأثر به - أنت وأنا - من عواطف العامة والدهماء.
Página desconocida