مكانة العلم في الإسلام
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فما زلنا نبحث عن إجابة السؤال المهم: كيف سبق الصحابة وكيف نلحق بهم؟ ومع الدرس الخامس من دروس مجموعة: كن صحابيًا، وسنتعرف في هذا الدرس على علامة جديدة من علامات الطريق الذي سار فيه الصحابة.
وقد تعرفنا في الدرس السابق على علامة مهمة جدًا من علامات الطريق الذي سار فيه الصحابة، ألا وهي: علامة الإخلاص، وذلك في درس: الصحابة والإخلاص، وسيكون حديثنا عن نقطة مهمة جدًا في بناء جيل الصحابة، ومهمة جدًا في بناء أي جيل يريد أن يصل إلى ما وصلوا إليه، هذه النقطة هي: العلم، وكما قلنا: إنه لا يوجد عمل يمكن أن يُقبل بدون إخلاص، وكذلك لا يوجد عمل يمكن أن يُقبل إلا بعلم؛ لأن كثيرًا من الناس يعبد الله ﷿ بنية صادقة، لكن بطريقة خاطئة جاهلة، وهذا يضر ولا ينفع، ففي أي مجال من مجالات الحياة وليس فقط في مجالات الدين، إذا عمل الإنسان بدون علم فإنه يضر ولا ينفع، فالطبيب الجاهل هل ينفع المرضى أم يضرهم؟ من المؤكد أنه يضرهم، والمهندس الجاهل، والنجار الجاهل، والسباك الجاهل كذلك، وكذلك العبادة، فالعابد الجاهل يضر ولا ينفع، فيضر نفسه وغيره ومجتمعه، ولذلك فإن قضية العلم قضية محورية في حياة الأمة المسلمة، ومن المؤكد أن الصحابة قد أخذوا بالهم من أول آية نزلت من هذا الكتاب المعجز، الذي هو دستور حياتهم بكاملها، فقد كانت كلمة: (اقرأ)، وهذا شيء غريب جدًا، لأن كلمة: (اقرأ) تنزل في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الأمية، وليس فقط في جزيرة العرب، بل في جميع أطراف المعمورة، فمن كل كلمات القرآن الكثيرة تكون أول كلمة تنزل هي كلمة: (اقرأ) وليست أول كلمة فحسب، بل أول خمس آيات جميعها تتحدث عن قضية العلم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق:١ - ٥]، إذًا فالقضية الأساسية التي يبنى عليها هذا الدين بكامله هي قضية العلم، وهي مسألة العلم.
وقد كان هذا النزول لكلمة: (اقرأ) بيانًا وإيضاحًا وتبيينًا لطبيعة هذا الدين، هذا الدين الذي لا يقوم على الخرافات والضلالات، ولا يقوم على الجهل والتخبط، وإنما يقوم على أسس علمية ثابتة ومعروفة، هذا الدين الذي يشجع أبناءه على أن يكونوا علماء سبَّاقين، وليس فقط لمجرد العلم ولكن أيضًا السبق في العلم، والريادة في العلم، والتفوق في العلم.
وانظروا هنا إلى ألفاظ هذا الحديث الغريبة على آذاننا، ولكن هو معنى دقيق جدًا يلفت إليه رسول الله ﷺ الأنظار.
فعند ابن ماجة، والترمذي وقال: حسن، وغيرهم عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ألا إن الدنيا ملعونة)، وهذه كلمة شديدة جدًا، (ملعون ما فيها)، أي: أي شيء في الدنيا فهو ملعون، وهذا على إطلاق الحديث، والذي يلعن هو الرسول ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، فهو وحي من الله ﷿، فكل شيء في الدنيا ملعون ليس له أي قيمة، وتافه وحقير، حتى وإن كان ملكًا أو سلطانًا أو سلاحًا أو قوة أو أي شيء، ثم استثنى الرسول ﷺ من هذه اللعنة أربعة أشياء: الأولى والثانية: (إلا ذكر الله تعالى وما والاه) وما والاه: أي ما قارب الذكر من أعمال الطاعة والبر وغيرها من الأعمال في الدنيا التي يحبها الله ﷿، الثالثة والرابعة: (وعالمًا، ومتعلمًا) فهذه أيضًا مستثناة من اللعنة، إذًا العملية التعليمية التي تدور بين العالم والمتعلم عملية عظيمة جدًا في ميزان الله ﷿، ويبقى الذي هو خارج نطاق هذه العملية، فهو ملعون بنص حديث رسول الله ﷺ.
5 / 2