أنا لست من أصول أفريقية؛ لذا لا يمكنني فعليا أن أفهم فهما كاملا أهمية ادعاء أن كليوباترا كانت ملكة أفريقية. لقد حظيت بفرصة العمل مع عدد كبير من أعضاء مجتمعات البريطانيين من أصل أفريقي كاريبي، الذين يشتركون في وجهات نظهرهم عن علاقة كليوباترا بأفريقيا وبالتراث الثقافي الأفريقي. لا يمكننا إنكار أن كليوباترا كانت ملكة لإحدى الدول الأفريقية. تقع مصر في قارة أفريقيا ويعتقد كثير من الأفارقة من جميع أنحاء القارة أن مصر هي جزء من تراثهم الثقافي (أوكونور وريد 2003: 1-23).
لا يعتبر كثير من المصريين في عصرنا الحالي أنفسهم جزءا من أفريقيا، وإنما ينظرون إلى كليوباترا على أنها أحد الملوك المصريين، وتظهر بوصفها مصرية على العديد من المنتجات المتنوعة بداية من العلامة التجارية المحلية للسجائر والخمر، وحتى محطات الترام والقطار المحلية (ووكر وأشتون 2006: 23-27).
بصرف النظر عن درجة لون بشرة كليوباترا، فإن أدلة قوية من حياتها في مصر تشير إلى رغبتها في أن ينظر إليها على أنها مواطنة مصرية في موطنها الأصلي وأنها أهملت تراثها الإغريقي لصالح تقاليدها (المصرية) الأصلية. وقد تعرض الباحثون الذين شككوا في انتماء كليوباترا الثقافي لليونان ودعموا تراثها المصري (والأفريقي بالتبعية) إلى الازدراء في أفضل الحالات، وفي أسوأ الحالات اتهموا بأن حجتهم غير علمية نتيجة لتأثرهم بهويتهم الثقافية. ويرجع ذلك إلى أن قلة من الباحثين البيض اهتموا بالنظر إلى أهمية كليوباترا باعتبارها نموذجا أسمر وشخصية سمراء بارزة. كتبت باحثة أمريكية سمراء في مجال الأدب الكلاسيكي ما يلي: «إنها [كليوباترا] تعبر عن التاريخ المزدوج للنساء السمر المعاصرات من القمع والكفاح للبقاء على قيد الحياة» (هيلي 1993: 29). تحكي هيلي، بصفتها امرأة أمريكية سمراء، عن تشكيكها في التراث الثقافي الشفهي الأمريكي الأفريقي الذي يعتبر كليوباترا امرأة سمراء (1993: 28-29 والنقطة رقم 4). فعادة ما يشكك في دوافع الأكاديميين السمر الذين يستقون من هويتهم الثقافية من قبل من لا ينطبق عليهم مثل هذا الوضع. فيبدو أن ثمة شكا متأصلا في أولئك الذين يعتقد في وجود دوافع خفية لديهم تتعلق بالأقليات، حتى إن بعض النقاد حاولوا العثور على مبررات لما يمكن اعتباره وجهة نظر فردية متطرفة (بيرنال 2001: 206-208).
تظهر حقيقة أن علينا الدفاع عن مجرد احتمال ارتباط كليوباترا بأفريقيا في حد ذاتها مدى تغلغل المركزية الأوروبية في المفاهيم الأساسية للدراسات الكلاسيكية وعلم المصريات. ومع ذلك علي أن أتساءل هل نحن الأوروبيين حريصون على ضم حكام الأسرة 26 المصرية ضمن سياق التاريخ الكلاسيكي، وذلك عندما استقر الإغريق في ناوكراتيس؟ بالطبع لا؛ فإن هذا أمر مناف للعقل. لا توجد حاجة بوجه عام للدفاع عن تراث كليوباترا الأوروبي، حتى إن لم تهتم الملكة كثيرا بإظهار هذا الجانب في شخصيتها (أشتون 2003د: 25-30).
زعم دارسو التاريخ الكلاسيكي أن انتماء كليوباترا للإغريق يمكن أن يتضح من اسمها، وأن لها أصولا مقدونية، وأن أسرتها فرضت نفسها على مصر، وأن تحدثها اللغة المصرية كان بطلاقة، كما يرد في الروايات، لم يجعلها مصرية (ليفكوويتز 1996: 4). يبدو أن جزءا من المشكلة يكمن في عدم قدرة كثير من هؤلاء الدارسين على فهم أو تفسير الجانب المصري من شخصية كليوباترا؛ فهم لا يستطيعون قراءة النصوص، وكل الصور تبدو متشابهة في أعينهم التي تدربت على النموذج الأوروبي التوجه، وحتى عند شرح الاختلافات لهم، تستبعد الأدلة التي تشير إلى مصريتها وتفسر على أن كليوباترا كانت تعبر عن ولائها المصطنع للدولة التي كانت تحكمها. لا تقتصر هذه المشكلة على كليوباترا فحسب؛ ففي الواقع، تجاهل دارسو التاريخ الكلاسيكي لسنوات طويلة الجوانب المصرية لحكم البطالمة في مصر، وقدموا شرحا خاطئا بالغ التحيز لتلك الفترة بوجه عام. أدرك كثيرون أن هؤلاء الدارسين أقل كفاءة عند دراستهم لموضوع منقسم فعليا بين ثقافتين مختلفتين تماما، وأدركوا وجود تحيز هلنستي/يوناني (على سبيل المثال، رولاندسون 2003، وطومسون 1988). أسهم هؤلاء الدارسون بمعرفة علمية مهمة في هذا الموضوع وأنا لا أشير للحظة إلى ضرورة إغفال التقليد اليوناني، لكن من الضروري إعادة النظر في توازن هذه المعرفة العلمية. أنا لا ألوم زملائي على هذه المشكلة، وأشعر أن لدي مبررا قويا لإثارة الموضوع بسبب ما تلقيته من تعليم، في البداية كدارسة للتاريخ الكلاسيكي. ترجع هذه الصعوبة بالكامل إلى طريقة تدريس هذا الموضوع في الجامعات، التي تسهل على المرء خداع نفسه باعتقاد أن طريقة تفكيره صائبة. بعد ثلاث سنوات من دراسة الثقافة المادية المصرية واللغات المصرية، اضطررت إلى إعادة كتابة أول فصلين من رسالة الدكتوراه. في البداية، لم آخذ بعين الاعتبار سوى رؤية الإغريق للثقافة المادية وفسرت التمثال الذي كنت أدرسه من منظور يوناني. وبجانب التحيز المعتاد، تتجلى حقيقة أن كل شخص يرى الثقافة من خلال ما تعلمه ومن تجاربه الشخصية، رغم ما قد يبذله من جهد لمنع نفسه من فعل ذلك.
إذن، فإن وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا تمتد أيضا إلى دراسة الباحثين الكلاسيكيين لها، الذين أنكر كثير منهم شخصيتها المصرية؛ فحتى وقت قريب كان كثير من الناس يرون أن الصورة الإغريقية لكليوباترا هي السائدة (كلاينر 2005: 138-139). يبدو من غير اللائق إذن أن تغفل رويستر (2003)، التي تنتقد وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا، الهدف من المعرض الذي أقيم في شيكاجو عام 2002 والذي يحاكي المعرض الخاص الذي أقامه المتحف البريطاني تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة». فقد خصص جزء كبير من هذا المعرض لعرض الجانب المصري من شخصية كليوباترا وقدم عددا من الصور المكتشفة حديثا التي تظهر هذه الملكة في صورة مصرية بدلا من صورها الكلاسيكية فقط التي كانت موجودة حتى هذا الحين (أشتون 2001ب). وقد تعرف الباحثون على كليوباترا في هذه الصور من خلال تتبع التغييرات الأسلوبية والتصويرية بدلا من مقارنتها مع «صورها الشخصية» الكلاسيكية التي تظهر على العملات. تشكو رويستر من غياب صورة كليوباترا كشخصية أمريكية أفريقية بارزة من المعرض إلى حد كبير (207-210)، ولها الحق في ذلك، إلا أن شكواها من أن الصور ذات الطابع المصري تعتبر أسلوبية وتتبع المذهب الطبيعي الإغريقي (203)، تكشف عن عدم فهم للتقاليد الفنية القديمة؛ فكليوباترا التي عبر عنها شكسبير أو التي ظهرت في الأفلام الحديثة لا تعبر عن الشخصية الحقيقية لكليوباترا.
بعيدا عن الرأي الزاعم بأن كليوباترا ذات أصل أفريقي جزئي على الأقل وعليه يمكن اعتبارها جزءا من ثقافة أصحاب البشرة السمراء وتاريخهم، يوجد بعد آخر يتجاهله عادة أصحاب التوجه الأفريقي يمكنه، في رأيي، أن يدعم قضيتهم، خاصة إذا اعتبرنا مصر جزءا من الحضارة الأفريقية الأكثر اتساعا. فقد ظهرت كليوباترا على أنها مصرية في مصر، وفي روما في مناسبة واحدة على الأقل. وكما ذكرنا، كثيرا ما أشار المؤرخون الرومان إلى أن كليوباترا مصرية، ولم تكن تلقى ترحيبا على الإطلاق في الثقافة الأوروبية التي تمثلها روما؛ في الواقع كانت منبوذة.
يضعف الباحثون ذوو التوجه الأفريقي قضيتهم من خلال استخدامهم حججا ضعيفة من أجل دعم قضية ظهور كليوباترا في صورة مصرية رغم كونها قضية قوية بالفعل. أحد الأمثلة على هذه الحجج أن شكسبير وصف كليوباترا بأن بشرتها «سمراء مائلة إلى الصفار»؛ إذن فقد كانت سمراء (كلارك 1984: 126-127). في الواقع لا يهمنا وصف شكسبير لكليوباترا؛ لأنه لم يكن معاصرا لها. ومع ذلك، فإن مجرد إلقاء نظرة على تماثيل الملكة وصورها يثبت أن اليونان لم يكن لها أي دور فعلي في أسلوب تصويرها في وطنها مصر.
قد لا نجد الكتاب الرومان يشيرون إلى لون بشرة كليوباترا، وهل كانوا سيلاحظون حتى أنها كانت ربع أفريقية ؟ ربما لا. ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لا تقلل من جاذبية كليوباترا للجمهور الأسمر المعاصر، ويجب ألا تقلل. نظرا لمدى قوة الفكرة الزاعمة بأن كليوباترا كانت بيضاء وذات مظهر أوروبي كامل، كثيرا ما تستخدم حجة أخرى ضعيفة من أجل التصدي للتوجه الأفريقي وهي أنه ما دام لم يذكر أي مؤلف أن كليوباترا كانت سمراء، فلا بد إذن أنها كانت بيضاء. على سبيل المثال، كتب ليفكوويتز (1996: 22 رقم 2): «من كانت عشيقة [بطليموس التاسع]؟ نظرا لعدم وجود مصادر تخبرنا بعكس ذلك، فإن الافتراض الطبيعي أنها إغريقية، مثل البطالمة. هذا بالطبع لا يثبت أنها لم تكن أفريقية، لكن لا يوجد دليل على الإطلاق يثبت أنها كانت أفريقية.»
إن التصور الزاعم بأن كليوباترا كانت سمراء تعرض للهجوم على أساس تقبل التراث الشفهي الأمريكي الأفريقي له، وهو ما يطرح مرة أخرى التساؤل حول ما إذا كان في وسعنا النظر إلى التقاليد الرومانية المكتوبة على أنها صالحة وأكثر موثوقية أم لا (بالتر 1996: 352). على الرغم من استشهاد كثير من الدارسين بقلة الأدلة المكتوبة التي تثبت أن كليوباترا كانت سمراء كدليل على نقاء أصلها الأوروبي، فإن ثمة جوانب أخرى غير واضحة بالمثل عن حياتها وشخصيتها ولكنها مقبولة بوجه عام. لقد كان جزء من كليوباترا إغريقيا بالتأكيد، لكن تجدر بنا الإشارة أيضا إلى أن افتراض وجود جزء أفريقي لديها لا يعتمد على محض الخيال وإنما على حقيقة أننا لا نعرف هوية والدة بطليموس الثاني عشر، ومن ثم هوية جدة كليوباترا لوالدها.
Página desconocida