قال «الشيخ علي»: هكذا يفسد الرجل المرأة وهو يدري أو لا يدري، فهو يبتغيها متاعا ويريدها ملهاة، ثم لا يقدر فيها غير الطاعة لما ابتغى وأراد، كأن الطينة الإلهية التي جبل منها الرجل شديدا متماسكا، بقيت منها بعده هنة ضعيفة فتركت حتى ركت وانسحقت، ثم خلقت منها المرأة ذليلة طائعة! وإن أقذر خلق الله ليكون معه الدرهم فاضلا عن حاجته، فلا يجد ما يمنعه أن يبتاع به الزهرة الناضرة، ولكن العجيب من أمره أنه إذا احتازها لا يلويها بين أصابعه ولا يدنيها من أنفه إلا بعيدا بعيدا وقليلا قليلا، بل إنه ليستحي لقذره من طهرها، ولنتنه من عطرها؛ فلا يحملها حتى يتجمل لها، ولا يظهر بها حتى يكون في الجمال أهلها، وما أدري كيف أدبته الطبيعة هذا الأدب مع شبه الجمال، ولا تؤدب مثل ذلك الهرم الأحمق مع الجمال نفسه؟
ويعمد الرجل متى أصاب مالا إلى الطيبات من صنوف الطعام وملذات الشراب، فيتضلع ويتملأ، وليس في ذلك من حرج؛ إذ هو ماله ينمو في باطنه، فإن ربح أو خسر فإنما «المضاربة» في معدته! ثم يعمد أقبح خلق الله وجها وأظلمهم سنة وأشأمهم طلعة، بذلك المال نفسه إلى أجمل النساء فيرخي عليها أستار بيته،
45
ويساهمها قبحه وجمالها، وإنما هي في رأيه بعض الطيبات، وصنف شهي من طعام القلب، فترى في أي جهة ينمو هذا المال الذي بذله وتندى به، فإني لا أرى له نموا في قلبه ولا في قلب تلك الحسناء؟
أما هو فما إن يزال يعرف منها البغض، وأما هي فما إن تزال ترى فيه القبح؛ وأحسب لو أنفقت ما في خزائن الأرض كلها على التأليف بين الحسن المبغض وبين القبح المحب، ما ألفت ذات بينها، ولا زدت كل واحد إلا من طبعه.
46
وكيف يرى هذا الدميم أن مرآة بيته التي اشتراها وبذل فيها واختارها على عينه، لا تظهره أبدا إلا دميما، وهو كلما بالغ في رونقها وصقلها بالغت هي في إظهار قبحه ودمامته، ثم يريد أن لا تراه امرأته الحسناء الفاتنة إلا جميلا فاتنا، ولا تكلمه إلا في الحب، ولا تقبله إلا قبلة الهوى كأنه هو الذي خلق لها عينين ولسانا وشفتين!
ولعمر الله لو أن في أضلاع هذه المرأة قلب رجل من صيارفة اليهود، قد جثم على منكب الطريق وسرح الذمة والدين، والظن واليقين، وجنود إبليس أجمعين؛ في طلب الدرهم يأكله سحتا، وينحته من أيدي الفقراء نحتا، لما رأته على ذلك المال وذلك القبح إلا كالخرقة فيها دينار، فهي هي لم تخرجها قيمة الذهب الغالية عن كونها في اليد والعين خرقة بالية!
أيريد الرجل لسعادته امرأة لا نفس لها ولا قلب؟ لعله يحاول ذلك، ولكن كيف تسعده إذن؟ إني رأيت في معاشرة الحزين للحزين شيئا من الفرح يتنفس به الحزن على الحزن، فليت شعري أي مهنأ
47
Página desconocida