26
لا يريد إلا أن يكون الجار والمجرور «متعلقين»، وفرغ صبره واستيقن أن له آخرة، وأن صاحبته لا تزال في أول دلالها، وكانت تحسب الدهر نائما عنها، فإذا عينه قد انتبهت في أجفان هذا الشيخ، فنظر إليها نظرة لا صواب فيها.
وباغتها الرجل فخيرها بين أمرين خيرهما شر: إما طريق إلى صدره، وإما طريقة من غدره؛ ومع الأولى الوصية بالمال، ومع الأخرى أن تذهب في الحال!
وكذلك غلبها على أمرها، وانتصر في معركة كان لا بد أن يخر فيها أحدهما صريعا، وقد استحال أن يكون المغلوب غيرها، وإن عثرة تنتهض منها بعد حين خير من عثرة لا تستقيلها؛ ورأت الظبية أن لا مناص، فوقعت في يد القناص.
يا ليل
الليل منسدل كأنه حجاب مضروب بين الحياة والأحياء، مجتمع الظلمة كأنما هي ذنوب الناس في نهارهم جعلت الملائكة ترسلها إلى السماء، وتغشى الأرض معنى من خشية الله فنفرت له دموع المساكين، وأقبلت عليه أنفاس المحزونين، وبرزت له في آثار الظلم دعوات المظلومين؛ وقد ارتفع إلى الله صوت يتقطع زفرات، ويتلهب حسرات، ويسيل من الدمع قطرات، وكان صوت «لويز» وهي تزفر الزفرة تكاد تنشق لها، وترسل الأنة تكاد تدفن فيها؛ وما بها الغيظ فتسكته عنها، ولا بها الحزن فتمسحه بدمعها، ولا بها الهم ، ولا بها الغضب، ولا أمر مما يتواصفه أهل البلاء ويبثونه في شكوى أحزانهم، وإنما ذلك شيء إن يكن من الحياة فليس بالحياة، وإن يكن من الموت فليس بالموت، ولعله منازعة الحياة والموت على قلبها!
ما بك يا لويز وقد بت زوج الكونت الذهبي، وهو عما قليل آخذ ما أمامه وتارك ما وراءه، وما بك أيتها المسكينة وقد كنت فقيرة بائسة لا تملكين قوت يوم فقبضت على أعناق سبعين سنة تجمع المال وتكنزه، وما بك - عمرك الله - وقد خرجت من الكوخ إلى القصر، وصعدت من العريش إلى العرش، وإن كانت حواء قد طردت من الجنة فقد طردت أنت إلى الجنة، وفي الجنة قوم يقادون إليها «بالسلاسل»!
قالت المرأة وهي تناجى ربها: إلهي! ماذا قضيت علي؟ لقد وضعت الدنيا على راحتي، وكأن مملكة آمالي مرسومة في كفي، ولكن أي فرق بيني وبين تمثال من الذهب الخالص في منزل هذا الرجل! لقد رددتني من فقري وذلتي إلى رجل رددته أسفل سافلين،
27
فما يريني الدنيا التي أعرف أنها الدنيا، ولكنه يريني الآخرة!
Página desconocida