4
وقضت دينه، ثم أبكت عينه؛ فوالذي نفسي بيده إن دراهم هذا الخبيث لتعد من اللصوص، وإنها للئيمة على العموم، أما هو فلئيم على الخصوص؛ يرسل الدرهم في يد المحتاج فيذهب فيه ديناره، ويقدح فكره الملتهب فلا تقع إلا في بيوت الفقراء ناره؛ ولو كان مخلوقا يوم عرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، لحمل وحده الأمانة، وإذا كان مبلغ القول في وصف كل غني كريم أنه «صراف» في خزانة الله، فجهد القول في هذا اللئيم أنه لص الخزانة!
5
وهو على غناه كأنه في الناس بؤس المفلس في القمار، وكأنه لحقارته ذيل الحمار؛ إن طلع عليهم فطالع زحل، وإن غاب عنهم فوباء رحل، ومتى ذكروه فكأنهم نكروه، وإذا قضي عليهم أن يسموه فكأنما شتموه، وإذا وصفوه قالوا وجع الأظفار، وذنب بلا استغفار، اللهم قنا عذاب النار!
أما وجهه فلو أنزل الله مرآة من السماء فنظر فيها لصدئت من قبح خياله ، كصدأ ذلك المخزون من ماله؛ وأما روعته فلو خرج على الحسان لابتلاهن بما يفجئ الظباء من رؤية الفهد، وامتلكهن بما يعتري المرضع إذا كشفت عن طفلها فأبصرت الثعبان في المهد؛ وأما جهامته فلو نظر إليه البدر لغرب، ولو اطلع عليه الفجر لهرب؛ وأما روحه الخفيفة فلو بعثت في خلق آخر لما كانت إلا بقة صيف في رقبة ضيف، أو بعوضة تلسع العاشق المهجور فتوقظه وقد ظفر بالطيف، وحياته كالبلاء المحتوم، وغناه كالكنز المختوم، وأما هو فكالقبر الكتوم.
وأحسب لو رسمه أمهر المصورين فأبدع في خططه
6
وألوانه، وأنطقه من عينه وعنوانه،
7
وجعله آية فنه وافتنانه، وترك من يراه لا يحسب إلا أن المصور قد سرقه، أو أن الله تعالى مسخه على ورقة؛ لبقي مع ذلك في رسمه مغمز لا تصلحه إلا يد الشيطان الرجيم، ولا تلونه إلا شعلة من نار الجحيم. ومن للمصور بشرارتين من الصاعقة ينزلهما في الرسم لتظهر بهما عيناه، ومن له برقبتي البخل والرذيلة يطبق عليهما يسراه ويمناه، ومن له بلونين من غضب الله ونقمته يظهر بهما في الصورة معنى فقره وغناه؟
Página desconocida