وأعظم هذه الأجزاء نظم الأعمال؛ فإن التراجيديا ليست محاكاة للأشخاص بل للأعمال والحياة، وللسعادة والشقاء، والسعاده والشقاء هما فى العمل. و«الغاية» هى فعل ما، وليست كيفية ما؛ على أن الكيفيات تتبع الأخلاق، أما السعاده أو ضدها فتتبع الأعمال. فالتمثيل إذن لا يقصد إلى محاكاة الأخلاق ولكنه يتناول الأخلاق من طريق محاكاة الأفعال، ومن ثم فالأفعال والقصة هى غاية الترجيديات، والغاية هى أعظم كل شئ. ثم إنك لا تجد تراجيديا قد خلت من محاكاة فعل، ولكنك قد تجد تراجيديا خالية من محاكاة الأخلاق، فإن تراجيديات أكثر المحدثين لا تتناول الأخلاق، وهذه حال كثير من الشعراء على العموم، كالشأن فى التصوير حين توازن بين زويكسيس وبولوجنوتس. فأما بولوجنوتس فمصور للأخلاق مجيد، وأما زويكسيس فليس فى تصويره شئ من الأخلاق. هذا ولو أن كاتبا سرد خطبا فى الأخلاق ذات صنعة جيدة فى العبارة والفكر لما كان لذلك فعل التراجيديا، ولكان أدنى منه كثيرا إلى ذلك الفعل: التراجيديا التى يقل حظها من هذين العنصرين ولكنها تحتوى على قصة ونظم للأعمال. زد على ذلك أن أعظم عنصرين تعتمد عليهما التراجيديا فى اجتذاب النفوس إن هما إلا جزاءان للقصة، وهما الانقلاب والتعرف. ودليل آخر: وهو أن المبتدئين فى صناعة الشعر يصلون إلى الإتقان فى صوغ العبارة ورسم الأخلاق قبل نظم الأفعال، وكذلك كان شأن أكثر المتقدمين.
فالقصة إذن هى نواة التراجيديا، والتى تتنزل منها منزلة الروح، وتليها الأخلاق. وشبيه بذلك أمر التصوير: فإن أجمل الأصباغ إذا وضعت فى عير نظام لم يكن لها من البهجة ما لصورة مخططة بمادة بيضاء. فالتراجيديا إذن هى محاكاة لفعل، وهى إنما تحاكى الفاعلين من طريق محاكاة الأفعال.
Página 54