فالتفت الملك إلى الكاهن الأكبر نوفر آمون وسأله: وأنت يا صاحب القداسة ماذا ترى؟
فقال الشيخ الوقور: أرى يا مولاي أن من يحاول إطفاء هذه الجذوة المقدسة كافر!
فابتسم الملك سيكننرع راضيا وتحول إلى وزيره أوسر آمون قائلا: ولم يبق إلا أنت أيها الوزير.
فبادر الرجل يقول: مولاي، لم أنصح بالتريث كراهية في الحرب أو خوفا منها، ولكن لنستكمل الجيش الذي أرجو أن يحقق غاية أسرة مولاي المجيدة، وهي تحرير وادي النيل من قبضة الرعاة الحديدية، وأما إذا كان أبوفيس يطمع حقا في حريتنا فأنا أول من يدعو إلى الحرب.
فنظر سيكننرع في وجوه رجاله، وقال بصوت دل على العزم والقوة: يا رجال الجنوب إني أشرككم في عواطفكم، وأعتقد أن أبوفيس يتحرش بنا ويطمع في أن يحكمنا بالخوف أو بالحرب، ونحن قوم لا نذعن للخوف ونرحب بالحرب، إن الشمال فريسة الرعاة منذ مائتي عام، امتصوا خير أرضه وأذلوا رجاله، أما الجنوب فإنه يكافح منذ مائتي عام غير غافل عن غايته العليا وهي تحرير الوادي جميعه، فهل ينكص على عقبيه لأول تهديد، ويفرط في حقه، ويلقي بحريته وديعة بين يدي الطامع النهم؟ .. كلا يا رجال الجنوب، سأرفض مطالب أبوفيس المهينة، وأنتظر ما يرد به علينا، إن سلما فسلم وإن حربا فحرب!
وقام الملك واقفا، فقام الرجال قومة واحدة وانحنوا إجلالا، ثم غادر البهو على مهل يتبعه الأمير «كاموس» والحاجب الأكبر.
4
وتوجه الملك إلى جناح الملكة أحوتبي، وأدركت المرأة حين رأته يقبل عليها في لباسه الرسمي أن رسول الشمال جاء بأمر جلل، فارتسم الاهتمام على وجهها الأسمر الجميل، وقامت واقفة تلقاه بقامتها الطويلة الرشيقة، ورفعت إليه عينين متسائلتين، فقال لها بهدوء: أحوتبي .. يبدو لي أن الحرب تطبق علينا مع الأفق!
فقلقت عيناها السوداوان وتمتمت قائلة بدهشة: أتقول الحرب يا مولاي؟
فحنى رأسه دلالة الإيجاب، وقص عليها ما قال الرسول خيان، ورأي رجاله فيه، وما استقر عليه عزمه، وكان يحدثها وعيناه لا تتحولان عن وجهها، فقرأ في صفحته ما اضطرم في نفسها من الإشفاق والأمل والاستسلام.
Página desconocida