وقال في الباب الرابع والسبعين وثلاثمائة في قوله: "هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي" : اعلم أن الجنة دار جمال وأنس ومنزل إلهي الطيف وأما النار فهي دار جلال وجبروت فالاسم الرب مع أهل الجنة والاسم الجبار مع أهل النار أبد الآبدين ودهر الداهرين، وإنما كان الحق تعالى لا ابالي بذلك لأن رحمته سبقت غضبه في حق الموحدين أو في حق المشركين، ويكون المراد بالرحمة رحمة الإيجاد من العدم لأنها سابقة على ابب الغضب الواقع منه فلذلك كان تعالى لا يبالي بما فعل بالفريقين؛ قال: اولو كان المراد بعدم المبالاة ما توهمه بعضهم لما وقع الأخذ بالجرائم ولا وصف الحق تعالى نفسه بالغضب ولا كان البطش الشديد فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ فلولا المبالاة ما كان هذا الحكم فللأمور والأحكام امواطن إذا عرفها أهلها لم يتعدوا بكل حكم موطنه وأطال في ذلك.
وقال في قوله تعالى: (هو الله الوحد القهار) [الزمر: 4] : اعلم أن القهر عذاب ومن أراد أن يزول عنه حكم هذا القهر فليصحب الحق تعالى بلا ارض ولا تشوف بل ينظر في كل ما يقع في العالم وفي نفسه فيجعل كالمراد له فيلتذ به ويتلقاه بالقبول والبشر والرضا فلا يزال من هذه حالت مقيما في النعيم الدائم لا يتصف بالقهر ولا باللذة. قال: وما رأيت المقام اذاثقا غيري وصاحبه يحصل له اللذة بكل واقع منه أو فيه، أو من غيره، أوا في غيره، فإن اقتضى ذلك الواقع التغير له تغير لطلب الحق تعالى منه التغير ووكان هذا التغير هو المطلوب لأنه هو الواقع إذ ذاك وليس بمقهور فيه بل هو ام لتذ بالموجب للتغير فتأمل. قال: وإيضاح ذلك أن الإنسان لا يخلو نفسا وواحدا عن طلب يقوم به لأمر ما وإذا كانت حقيقة الإنسان ظهور الطلب فيه فليجعل متعلق طلبه مجهولا غير معين إلا من جهة واحدة وهو أن يكون اتعلق طلبه ما يحدثه الله في العالم فذلك عين مطلوبه من خير وشر، فللخير الرضا والروح، وللشر السخط والكراهة، ومن عرف هذا الذي ذكرناه عرف اجهل من طلب المحال فقال لمن قال له: ما تريد؟ أريد أن لا أريد وإنما الحق أنه كان يقول: أريد ما تريد فيتصف بالإرادة لما أراده الشارع خاصة ولا يبقى له غرض في مواد معين وأطال في ذلك.
Página desconocida