ذعر شهاب وهو يرى أباه داخلا إلى غرفته بالوزارة، وسارع إليه يقبل يده: أهلا يابا أهلا وسهلا. - لا أهلا ولا سهلا. - إذن بلغوك. - وماذا كنت تنتظر؟ - أن تعرف ولكن ليس بهذه السرعة. - المهم أنه كان لا بد أعرف، راقصة يا شهاب راقصة؟! - وحياتك يابا إنها في غاية الشرف. - دع حياتي وشأنها. - وتترك زوجتك وابنك وابنتك. - يكفيهما أمهما. - هل يستغني أحد عن أبيه؟ - هما استغنيا عني. - لما رأياك لا تسأل عنهما. - يابا لا أراك الله البيت الذي كنت أعيش فيه معهم، كان بالنسبة إلي كالسجن. - لماذا؟! هل كان أحد في بيتك يخرج عن طاعتك؟ - الحقيقة لا. - فما هذا الكلام الفارغ الذي تقوله؟ - بذمتك يابا وحياتي عندك وحياة أمي، هل ترى في سعاد شيئا من الجمال؟ - ألست أنت الذي اخترتها؟ وهل أخفت عنك وجهها حين خطبتها؟ - غلطة، هل كتب علي أن أظل حياتي كلها أدفع ثمنها؟ - يا بني سعاد زوجة ليس لها مثيل، والجمال ليس كل شيء. - يابا الجمال قد لا يكون مهما للآخرين، ولكنه بالنسبة للزوج شيء مهم، ومهم جدا. - يا بني إن أمجد وفضيلة على وش زواج. - ولنفرض، أليس لي الحق أنا أيضا أن أعيش؟ - يعني لا فائدة من الكلام؟ - الكلام الآن لا فائدة منه. - إذن فكل منا حر فيما يفعله. - اعذرني يابا، أنا عندي زعلك أنت وأمي بالدنيا كلها. - ولما عملت عملتك ماذا كنت تنتظر؟ أن أفرح وتزغرد أمك؟! لقد تركتها ودموعها سائلة كالمطر حتى وهي نائمة. - اعذرني يابا أنت وأمي، الظروف أقوى مني. - بل أنت الذي صنعت هذه الظروف، ولا تظن أنني سأسكت وغدا تشوف ماذا سأفعل، سلام عليكم. - يابا انتظر، أين ستذهب؟ - هذا ليس شأنك، ابق حيث أنت.
وخرج الشيخ متولي ووجد أمجد ينتظره فركب السيارة وهو يقول لحفيده: هيا بنا إلى بيتكم يا بني.
وكانت سعاد بالمنزل.
الفصل الثالث عشر
قال لها الشيخ متولي: أنا خجلان أن أريك وجهي كأنني أنا الذي عملت ما عمله ابني. - أعوذ بالله يا عمي، وأنت ما ذنبك؟ - ذنبي أنه ابني. - أنا متأكدة أن أسفك لما عمله أشد من أسفي أنا وابنه وابنته. - ولهذا قررت أمرا لا رجعة لي عنه، أولا أن تعتبري بيتي بيتك، وأنا لن انقطع عن زيارتكم بل سأكثر من هذه الزيارات، واعتبريني مسئولا عنكم مسئولية الأب عن أبنائه، وأنتم أبنائي فعلا؛ فالقدماء يقولون إنني ولدت أبناء ابني مرتين لا مرة واحدة، توكلي على الله ثم علي. - والله يا عمي أنا أضعك في مكان والدي تماما، وأعرف تماما مكانتي وأنا وأبنائي عندك. - انتظري لم تعرفي بعد ما قررته. - تحت أمرك يا عمي.
أنا أعرف أن ربنا فاتحها عليك وأنك لا تحتاجين إلى مال إلا أنني ملزم أن أساهم، وأنا أمام الله المسئول عن هذا ولو أدى الأمر أن أرفع القضايا باسمكم على وحيدي جزاه الله، وأنا لا أملك إلا اثني عشر فدانا كما تعلمين، توكلت على الله وسأبيعها لأمجد وفضيلة بالميراث الشرعي على أن يأخذ ريعها بعد وفاتي أنا وتفيدة. - يا عمي لا داعي لهذا فنحن مستورون والحمد لله. - أنا أعرف ذلك ولكن لا بد أن يعرف ابني كم أنا غاضب عليه ورافض لما فعله حتى إني منعته أن يرثني، ولا تحاولي مناقشتي في هذا الأمر، وللأسف لا أملك إلا هذا التصرف بالنسبة لك ولأحفادي. •••
وحين عاد الشيخ متولي إلى زوجته نقل إليها كل تصرفاته مع ابنه ومع سعاد والعجيب أن تفيدة أيدته في بيع الأرض لحفيده وحفيدته. وبدأ من غده في اتخاذ الإجراءات حتى تمت على الوجه الأكمل. •••
بدأ شهاب حياته الزوجية بشراء شقة فاخرة توخى أن يكون الاستقبال فيه متسعا غاية الاتساع، وفرشت فتنة الشقة فرشا فاخرا؛ فقد تعلمت الذوق من كثرة البيوت التي دخلتها. وفرضت فتنة على شهاب أن يكون أوائل المدعوين هم رجال الصحافة والإعلام على أن تكون تلك الاستقبالات فردية حتى يظن الصحفي المشرف على الصفحة الفنية في جريدته - والمدعو إلى بيت فتنة لا شهاب - أنه وحده المقرب عند الراقصة، ولا بأس أن يفوز بعض هؤلاء المدعوين بهدايا قيمة أيا كان نوع هذه الهدايا وحجمها. ونفذ شهاب ما أرادته فتنة، وما هي إلا أسابيع قلائل حتى تصدرت صورة فتنة الصحف وأحاديث الإذاعة والتليفزيون وتم لها ما دبرت له في نجاح منقطع النظير، وحينئذ قالت لشهاب: الآن تستطيع أن تدعو من تشاء من رجال الأعمال الذين تحاول أن تقيم بينك وبينهم صلات اقتصادية.
وهكذا أقام شهاب وفتنة حفل عشاء فاخرا كان المدعوون فيه رهطا ضخما من رجال الأعمال، وفي نفس الوقت من الصحفيين والصحفيات والعاملين والعاملات بميدان الإعلام، ولبى أغلب المدعوين الدعوة وكثير منهم اجتذبه أن فتنة الشهيرة هي ربة البيت، وتوثقت صلة شهاب بثلاثة من العاملين بسعة في الميدان الذي يشرف عليه في الوزارة.
كان أول الثلاثة وأهمهم هو نبيل فواز الملط ولو أنه أخفى لقب الملط هذا من اسمه تماما فأصبح لا يعرفه عنه إلا الذين يعرفون أصله الأول، وكان أكبر مستورد للأسمدة الزراعية والمواد المبيدة لحشرات النبات.
Página desconocida