ثم قال لشهاب: تحضر غدا مسوغات التعيين.
وسارع شهاب قائلا: جاهزة كلها يا سعادة البك. - على بركة الله.
وخرج فتحي وانفرد راشد بشهاب وسأله: من الذي أوصى بك؟ - فؤاد باشا الجويني يا سعادة البك. - ومن أين يعرفك؟
ولم يتردد شهاب في الإجابة بل سارع قائلا: أبى يعمل في دائرته. - ماذا يعمل؟ - مساعدا للناظر.
وأبى أن يقول خولي حتى لا يهون أمره أمام رئيسه الجديد، وحاذر أن يكذب ويدعى أنه ابن الناظر خشية أن ينكشف أمره فقد توسم في راشد الذكاء والفطنة، وأدرك أنه ليس من السهل أن يغرر به، وسأله راشد: وماذا تريد أن تعمل؟ - والله الأمر يرجع لسعادتك.
وبسرعة فائقة راح يدور ذهن راشد: إنني أستطيع أن أصنع من هذا الولد عجينة في يدي أشكلها كما أريد؛ فأنا أحتاج في معاملة التجار إلى شخص يساعدني ويرضى بالقليل، ولا أستطيع أن أعتمد على فتحي في هذا الأمر؛ فهو مشغول مع الوزير من ناحية وهو من ناحية أخرى سيطمع في مبالغ كبيرة معتمدا على قربه من الوزير، وأنا أيضا لا أثق به فقد يبلغ الوزير بما أصنعه مع التجار إذا لم ينل ما يطمع فيه، وعلى كل حال سأجرب شهاب في عمليات بريئة حتى إذا وفق فيها أجربه في عمليات أخرى صغيرة حتى أطمئن إليه تماما وأدخله بعد ذلك في كل العمليات. - اسمع، ما دمت حاصلا على الزراعة العليا ما رأيك أن تختص أنت بالتعامل مع التجار الزراعيين الذين يشترون محاصيل الوزارة؟ - بارك الله فيك يا سعادة البك، إن شاء الله سترضى عني في هذا العمل وخاصة أنني على خبرة بهذا الاختصاص؛ فكثيرا ما شهدت ممارسة أبي لبيع محاصيل الدائرة. - على شرط. - شروطك أوامر. - أن تجعلني على علم بكل صغيرة وكبيرة في تعاملك. - طبعا يا سعادة البك. - هذا الاختصاص يحتاج إلى أمانة كبيرة وذكاء شديد وسأجربك فيه.
الفصل الخامس
أصبح شهاب معاونا لراشد في العمليات المتصلة بتجارة المحاصيل من وزارة الزراعة؛ فانفتحت له أبواب الثراء على مصاريعها؛ فقد كان راشد يأخذ من هؤلاء التجار أموالا فادحة أخفى أمرها عن شهاب بعض الوقت ثم ما لبث شهاب أن عرف الحقيقة من الذين يكلفه راشد باصطحابهم إلى المزارع على اختلاف أنواعها، وفي أول مرة يصحب فيها تاجرا فوجئ عند انتهاء الزيارة بالتاجر يعطيه خمسين جنيها، وتمنع شهاب أن يأخذ هذا المبلغ الخطير بالنسبة إليه فإذا بالتاجر يلح عليه قائلا: يا بني أنت ما زلت جديدا لا تعرف ما تجري عليه الصفقات مع الوزارة. - ولكن لن أخذ شيئا، وأنا أقوم بعمل هو وظيفتي ولا أستحق شيئا إلا مرتبي. - لا تتفلسف واسمع الكلام، وبكرة ستعرف أن هذه هي قواعد اللعبة. - لا أستطيع. - اسمع الكلام.
وأخذ شهاب المبلغ وقد انتوى في نفسه أمرا وصمم عليه؛ فقد خشي أن يكون راشد هو الذي أوحى للتاجر بأن يعطيه هذا المبلغ ليمتحن أمانته فما إن انصرف التاجر حتى قال شهاب لراشد: تفضل سعادتك.
وقدم له الخمسين جنيها، وقال راشد: ما هذا؟ - المبلغ الذي أعطانيه الحاج عطية التاجر.
Página desconocida