Resumen de la historia de Irak: desde sus orígenes hasta nuestros días
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Géneros
5
مضت أيام وأقبلت أخرى، فأقيم على عرش مصر فرعون آخر لم يكن يعرف يوسف البتة، وكان عدد بني إسرائيل يخيفه، فأخذ يشدد عليهم ويعنيهم ويحملونهم أشغالا لا تطاق، وأمر بقتل جميع الذكور الذين يولدون. ثم إن امرأة من سبط لاوي من بعد أن ولدت وأخفت ولدها مدة ثلاثة أشهر وضعته على النيل في قفة في الموضع الذي كانت تستحم فيه ابنة فرعون على مألوف عادتها، فحنت عليه الأميرة، وسمته موسى (أي المنشول من الماء)، وربته في قصرها وعلمته جميع علوم مصر. ولما كان موسى ابن أربعين سنة رأى مصريا يضرب عبريا فقتله غير، وفر إلى برية سيناء، وبقي فيها منفيا نحو أربعين سنة.
ولما مات فرعون ظهر الله لموسى في عليقة محترقة، وأمره بأن يعود إلى مصر لينجي شعبه من الرق، فذهب هو وأخوه هارون، وطلب إلى فرعون أن يطلق ليقدموا قرابينهم في البرية، فلم يحصل على ما طلب إلا من بعد أن أنزل في وادي النيل عشر ضربات وأباد أبكار المصريين. وبعد أن غادروا بلاده تتبعهم في البحر الأحمر، وكانوا يعبرونه يابسا أمامهم، وكانت مياهه تنطبق على المصريين لتبتلعهم، فلما خرج موسى وبنو إسرائيل من البحر ترنموا بأنشودة تغني شهرتها عن ذكرها.
وفي كل أعماله أظهر موسى من الحزم والعزم وقوة الفكر وحسن الإدارة ما جعله في مصف الرجال المشترعين الكبار، ولا يمكن أن ينسى أو ينكر فضله. (12) آشوريو نينوى الصناديد وفتح مصر
بينما كانت مصر تسير في وجهها في طريق الحضارة والعمران، وأخذ بنو إسرائيل يتجمعون أمة تتقوى مع الزمن، كانت السيادة تنتزع من أيدي شنعار لتنحصر أو لتنتقل إلى قوم سامي آخر يعرف بالآشوريين من أقارب الأولين، وكان ذلك في نحو السنة التي بين 1600 و600 قبل المسيح. وبينما كان نور شنعار يتضاءل كان نور آشور يشتد، وما زال الرقي يسير بهم صعدا حتى أصبحت مملكتهم حسنة التنظيم، ولها من المطامع في الفتوحات ما لا مطمح وراءه، وكانت حضارتها وديانتها وعلومها وصناعتها وكتابتها مقتبسة كلها من شنعار، إلا أنها أدخلت عليها من التحسين والتجديد والإصلاح ما يكشف عن روح جديد في جميع ما تأتيه، وكانت مغرمة بالغزو والفتح والتبسط في مناكب الأرض وأسنمتها، ولم تتوفق في بادئ الأمر تحقيق أمانيها لما كان يعترضها من عزائم أعدائها شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. عن الشمال والشرق كانت جبال لا يذل سكانها لأول هاجم عليها، ومن الجنوب كان الشنعاريون أصحاب التمدن القديم، وفيهم من عزة النفس ما يدفعهم إلى أن يدفعوا أحياء ولا يقبلوا الخنوع لأمة حديثة النشأة، أمة الآشوريين. وأما إيغالهم في جهة ديار الشام وآسية الصغرى فكانت تصدهم جبال أخرى منيعة سكانها رجال أشداء لا يذلون بسهولة.
وبعد أن نشأت الدولة الآشورية وظهرت للوجود وتمثلت قواها ومظاهر حياتها في قلبها ودماغها - أي في مدينتي آشور ونينوى - عادت إلى البطش والفتك بعد أن استجمعت قواها، ونجحت في إنشاء دولة أوسع وأكبر، دولة وجدت إلى عهدها وكان يرعاها ملك واحد. وبعد أن انتابها العز والذل، الرفعة والضعة، النصر والدحر، العثار والإنعاش، أخذت تمتد متبسطة في الأرض، وأول ما كان ذلك في القرن الثاني عشر قبل المسيح. فالملك تغلث فلسر (تغلتي فلاشرا) دوخ في الجهة الغربية المشيان والكماجنيان في بلاد هضاب أعالي الفرات بين الجزيرة وآسية الصغرى، ثم سار مظفرا نحو الشرق متوقلا جبال كردستان، وواغلا في البلاد التي نسميها اليوم أرمنية حتى الشمال، وقهر الممالك الصغيرة الواقعة في شمالي سورية، واجتاز لبنان نحو الساحل الفينيقي، وتمكن من رؤية البحر المتوسط، فلما سمع بدنوه ملك مصر أهداه هدايا ليدفعه عنه، فعاد إلى دياره واستحوذ على أرض شنعار، إلا أن ملك بابل أنزل بجيوشه الآشورية أعظم النكبات وأعادها إلى ديارها. وابن تغلث فلسر أخذ بثأر أبيه. وفي هذا الحين سمعنا باسم بغداد للمرة الأولى بدون أن تكون مدينة عظيمة بين مدن شنعار، وبأن الآشوريين دوخوها. وبعد عدة ملوك اضمحلت سلطنة آشور مدة أعصار متطاولة، وهذا ما يسمى بدولة آشور الأولى.
وبعد أن خمد ذكرهم في تلك المدينة عاد فنبه قبل عهد النبي أشعياء. وفي سنة 860ق.م اجتازت جيوش الآشوريين للمرة الثانية جبل لبنان، وأكرهوا فينيقيي ساحل البحر على أن يؤدوا دلائل الإكرام لملكهم. وقبل المسيح بنحو سبعمائة سنة عادت السطوة الآشورية إلى التقدم خطوة خطوة على طول فلسطين، التي أصبحت بمنزلة الجسر يصل البحر بالبر، وقد اعتمد رأسه على المملكة الضخمة القائمة في وادي النيل. وفي ذلك الحين أخذت البلاد المصرية باسترجاع قواها المتبددة؛ ففي أعالي النيل في المكان الذي نرى فيه اليوم مدينة «الخرطوم» كانت مملكة تعرف ب «كوش»، وهي التي يسميها اليونان «إثيوبية»، وكان ملوكها مصريي المحتد والحضارة، وكان صولجان الملك بيد دولة مستقلة، فانحدر ملك كوش إلى أرض أجداده ليفتتحها، فتوفق لما نوى وجمع بينها وبين بلاده الكوشية، وجعلها مملكة واحدة، وكان ينتظر أن تصطدم الحضارتان: النيلية، والجزرية أو الفراتية، فوقع، وذلك أن سنحاريب أقبل في سنة 701ق.م بجيش جرار نحو الساحل، وقد ولى وجهه شطر البلاد المصرية، فالتحم الجيشان، الآشوري والمصري، في سهل الفلسطينيين، فولى المصريون الأدبار، وكان النصر حليف الآشوريين، وظهر كأن الساعة قد حانت للآشوريين أن يوغلوا في بلاد النيل، إلا أن الأمنية لم تتحقق ساعتئذ؛ لأنه بينما كانت جيوشهم مرابطة على حدود الصحراء بين فلسطين ومصر فاجأها طاعون جارف وكاد يفنيها عن آخرها، لولا أنها أسرعت فعادت إلى وطنها، وكان سبب هذا الطاعون هجوم طوائف عظيمة من الجرذان على أولئك الجيوش الآشورية، ففعلت بهم ما لم يفعله أعداؤهم.
مضت سنوات والآشوريون يحاولون في أثنائها الزحف على مصر فلم يتوفقوا؛ إذ حبطت خططهم كلما أرادوا تحقيقها. وفي سنة 670ق.م عبر الآشوريون «رفح» الواقعة على حافة البادية، وكسروا الجيوش المصرية قريبا من التخوم في ملحمتين أريقت فيهما الدماء، وبعد أربعة أيام دخلوا منف بأبهة وعظمة، والمصريون مقهورون أذلاء صاغرون، وأضاف آسرحدون إلى ألقابه السابقة لقب: «ملك مصر وكوش»، وشيد في نينوى قصرا جليلا رائع الحسن والبهاء، وفتح له في صدره جادة وضع فيها تماثيل أبي الهول على ما شاهده في ديار مصر.
وبلغت دولة الآشوريين أقصى السعة والامتداد في عهد آشور بنيبل بن آسرحدون (766-625ق.م)، فإن جيوشه الظافرة صعدت أعالي النيل حتى وصلت طيبة أو طيوة عاصمة الصعيد (وفي بعض مكانها اليوم الأقصر وكرنك)، فاكتسحوها وساقوا أهلها أسرى بعيدا عن بلادهم، فكان هدم هذه المدينة العظمى - مدينة الإله آمون - نكبة من أعظم النكبات على أبناء مصر، وقد أثرت ذكراها على مخيلتهم ومخيلة جميع الشرقيين، حتى إنها لم تنس ولن تنسى. (13) الكلدان وانحطاط الجزيرة في القرن السادس قبل المسيح وتعالي سطوة الفرس وتفوقهم على الساميين
بقيت بابل صاغرة لآشورية حينا من الدهر، ثم نفضت عنها غبار الذل والمسكنة، فجيش نبوبلصر جيشا لهاما وزحف به عليها، فأفلح في سعيه. وكان نبوبلصر كلدانيا، وكان الكلدانيون من الأمم الآرمية الأصل، نزلوا الشرق قبل بضعة قرون فأسسوا فيه مملكة مستقلة لاصقة ببابل، وحاضرتها واقعة على ضفة الفرات المقابلة لها.
Página desconocida