Resumen de la historia de Irak: desde sus orígenes hasta nuestros días
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Géneros
ثم صح عنده سوء عقيدته، وبلغه أنه عزم على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة، فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكال سلطان ترك الغز، المعروف بطغرلبك وهو بالري يستنهضه في القدوم، فقدم في سنة 447، فذهب البساسيري إلى الرحبة وتلاحق به خلق من الأتراك، وكاتب صاحب مصر فأمده بالأموال، استعان بها على الجمع والتجنيد، فاجتمع له أوباش الناس، وزحف البساسيري من الموصل وقد انضم إليه كل قاطع طريق وراغب في النهب والغارة، فقدم بغداد في سنة 450 (1058م) ومعه أتباعه، وكان قد قصدها من ناحية الأنبار، وملك الجانب الغربي، ونزل على دجلة مقابل باب الطاق، وعقد جسرا وعبر إلى الجانب الشرقي ونزل بالزاهر، ثم زحف بمن معه ودخل البلد، فخاصم عامة البلد وضعفوا عنه، فأضرم النيران في الأسواق ونهب، وانتهى إلى دار الخلافة، فنهب منها ما قدر عليه، وخرج الإمام القائم بأمر الله في نفر من خدمه فحماه قريش بن بدران أمير الموصل، وكان مع البساسيري، وعبر في خدمته إلى الجانب الغربي، وسيره محروسا إلى عانة، وأنزله على عم له هو مهارش بن مجلى، فقام بخدمته مدة مقامه عنده، وذلك سنة كاملة. ثم إن طغرلبك فرغ من قتال أخيه تبال حتى ظفر به وقتله، وبلغه ما جرى في بغداد، فتوجه إليها بعساكره، وأنفذ إلى القائم من أعاده إلى بغداد، وكان لما عرف البساسيري قرب طغرلبك من بغداد خرج عنها هاربا نحو واسط، فأتبعه طغرلبك عسكرا ظفروا به وأحضروا رأسه، ودخل الخليفة يوم الاثنين 25 ذي القعدة سنة 451 (3 ك2 سنة 1060م)، ولما وصل القائم إلى باب النوبي، نزل طغرلبك عن دابته، وأخذ بلجام بغلة القائم، ومشى بين يديه حتى نزل بباب الحجرة وخدم وعاد، وأعاد الله القائم بأمره إلى مستقر عزه، وذلك بعد سنة كاملة، وأقيمت الخطبة في غيبته للمصريين في كل الجوامع إلا جامع الخليفة، وزيد في الأذان «حي على خير العمل»، وبقيت عامة بغداد تضرب البساسيري مثلا في تفخيم الأمر، فيقولون: «كأنه قد جاء برأس البساسيري.» وإذا كرهوا أمرا من ظلم أو عسف قالوا: «الخليفة إذا في عانة حتى يفعل كذا.» وفي سنة 454 (1063م) زوج الخليفة بنته لطغرلبك بعد أن دافع بكل ممكن، وانزعج واستعفى، ثم لان لذلك برغم منه، وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه مع قهرهم الخلفاء وتحكمهم فيهم، وقدم طغرلبك في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، فدخل بابنة الخليفة، وأعاد المواريث والمكوس، وضمن بغداد بمائة وخمسين ألف دينار، ثم رجع إلى الري فمات بها في رمضان، وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عضد الدولة ألب صاحب خراسان، وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد، وهو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد، وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك، وافتتح بلادا كثيرة من ديار النصارى، واستوزر نظام الملك، فأبطل ما كان عليه الوزير قبله (عميد الملك ) من سب الأشعرية، وانتصر للشافعية، وأكرم إمام الحرمين، وأبا القاسم القشيري، وبنى النظامية، وهي أول مدرسة بنيت في بغداد للفقهاء.
وفي سنة 465 (1072م) قتل السلطان ألب أرسلان، وقام في الملك بعده ولده ملكشاه، ولقب «جلال الدولة»، ورد تدبير الملك إلى نظام الملك، ولقبه «الأتابك»، وهو أول من لقبه، ومعناه: «الأمير الوالد». وفي سنة 466 (1073م) كان الغرق العظيم ببغداد، وزادت دجلة ثلاثين ذراعا، ولم يقع مثل ذلك قط، وهلكت الأموال والأنفس والدواب، وركبت الناس في السفن، وأقيمت الجمعة في الطيار (ضرب من السفن كانت سابقا في دجلة) على وجه الماء مرتين، وأقام الخليفة يتضرع إلى الله، وانهدم مائة ألف دار أو أكثر. وفي سنة 467 / 1075 مات الخليفة ليلة الخميس 13 شعبان (4 نيسان)، وذلك أنه افتصد ونام، فانحل موضع الفصد وخرج منه دم عبيط كثير، فاستيقظ وقد انحلت قوته، فطلب حفيده ولي العهد عبد الله بن محمد ووصاه، ثم توفي ودفن في حجرة كانت برسم جلوسه بدار الخلافة، ثم نقل إلى تربة الرصافة، وقبره كان يزار يومئذ ويتبرك به، وكانت مدة خلافته 44 سنة و8 أشهر، ولم يبلغ هذه المدة خليفة قبله، وكان عمره 75 سنة و9 أشهر، ومدة خلافته وخلافة أبيه القادر بقدر مدة جميع خلفاء بني أمية؛ لأنها خمس وثمانون سنة، وكانوا أربعة عشر من معاوية إلى محمد بن مروان، فإن أيام الدول لا تطول إلا بالعدل، ولا تحفظ إلا بإزالة الظلم.
وفي عهده انقرضت دولة بني بويه، وقامت دولة السلجوقيين، فلا بد من أن نذكر شيئا عن كل منهما.
دولة بني بويه (أو دولة الديلم)
نشأت هذه الدولة الشيعية في بلاد فارس لانتشار دعوة المطالبين بالخلافة للعلويين، بعد أن ثبت لهم أن العباسيين لا يريدون أن يشاركوا فيها أحدا من غير بيتهم، وكان قد قام عدة دعاة يطالبون بالخلافة، فقاتلهم بنو العباس حتى أفنوهم، ثم نهضت شرذمة في بلاد فارس وجرجان وطبرستان وخرجت على العباسيين، حتى كانت لها جيوش وقواد، وأغلب هذه الجيوش والقواد من الديلم، وهم جيل من الفرس. فلما انقرضت دولة أولئك العلويين الخارجين على بني العباس بقي منها القواد الذين كانوا على رءوس الجيوش ولهم حول وطول وشوكة يستولون بها على كثير من البلاد والممالك، ومن أولئك القواد: أسفار ابن شيرويه، وماكان بن كالي، ومرداويج بن زياد، وليلى بن النعمان، وكان بنو بويه قوادا من أتباع أولئك القواد فكانوا في أمرهم مع ماكان بن كالي، ثم انفصلوا عنه وانضموا إلى مرداويج. فلما رأوا نجاحهم وأن الأقدار معهم والسعد يخدمهم فارقوه على أن يحاربوا لأنفسهم لتمكين سلطتهم في البلاد، فنجحوا حتى تغلبوا على ممالك أولئك القواد بعد محاربات جمة، كان الفوز فيها أليفهم، فطمعوا حينئذ فيما هو وراء هذا النصر، حتى تغلبوا على الخلفاء، فكان لهم الأمر والنهي والتصرف في الخيانة والمكوس وتجييش الجيوش، وأبقوا للخلفاء الاسم والدعاء على المنابر والتعليم على المناشير وكتابة أسمائهم على سكة الدراهم والدنانير، بل انتهت بهم القحة إلى تقدير الراتب للخليفة، ومنعه عن التدخل بأمور المملكة أو السلطنة، فكان الخلفاء في مدة ملكهم كرات تتقاذفها صوالجهم على ما شاءت أهواؤهم أو هجس في خواطرهم، فكانوا يعزلون ويسملون ويقتلون ويعذبون من أرادوا من الخلفاء، وينصبون على سرير الخلافة من أحبوا. ولما كانوا في أوج عزهم انتحلوا لهم نسبا حتى رقوه إلى بهرام جور من الملوك الأكاسرة، وقد وافقهم على رأيهم بعض المصانعين المملقين تزلفا منهم، فوضع أبو إسحاق الصابئ كتابا سماه «التاجي»، ولا عجب من هذا الأمر، فإن انتحال الحديثي النعمة الشرف الرفيع لأنفسهم وموافقة الناس لهم على رأيهم أمر قديم في الشرق منذ عهد البابليين والآشوريين، وهو راسخ الأصول إلى يومنا هذا، يعم الرفيع والوضيع. على أن المرجح هو أن أبا شجاع بويه بن فناخسرو يتصل نسبه بمهرنرسي وزير بهرام جور الأول، ولم يتأثل ملك هذه الدولة إلا بسعي أولاد أبي شجاع المذكور الثلاثة؛ أي في سنة 321ه/933م، ولم ينقرض إلا سنة 447ه/958م، فتكون دولتهم قد دامت 126 سنة قمرية. أما أولاد أبي شجاع فهم: أبو الحسن علي بن بويه الذي لقب عماد الدولة، وأبو علي الحسن بن بويه الملقب بركن الدولة ، وأبو الحسين أحمد بن بويه والملقب بعز الدولة. وقد بسطنا فيما سبق من الكلام ما كان لهؤلاء الإخوة من النفوذ في وقتهم، ومن الأعمال التي أتوها حتى ملكوا العراقين والأهواز وطبرستان وجرجان، وما كان من السيطرة على العباسيين حتى اشتهر أمرهم. ولما دخل معز الدولة بغداد سنة 334ه/945م وخلع المستكفي بالله، أراد أن ينزع الخلافة من العباسيين ويقلدها العلويين، ولما أوشك أن يبايع واحدا من أهل البيت قال له بعض خواص أصحابه: «ليس هذا برأي؛ فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة، ولو أمرتهم بقتله لقتلوه مستحلين دمه، ومتى أجلست بعض العلويين خليفة كان معك من تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته، فلو أمرهم بقتلك لفعلوه.» فأعرض عن ذلك وأقام المطيع خليفة بدل المستكفي المخلوع.
ومما ساعد البويهيين في سعدهم ورفع منار عزمهم عثور كبيرهم عماد الدولة على أموال طائلة، كانت منها في سقف البيت الذي كان فيه عماد الدولة نفسه، ومنها وديعة 12 صندوقا وجدها عند خياط أطروش، ومنها كنز ساخت فيه قوائم فرسه، ثم إن هؤلاء الملوك أرادوا أن يعارضوا دولة بني العباس في ضخامتها وجلالتها ومكانتها، وحاولوا أن يتبسطوا في الحضارة والعمران والبذخ والزهو. والملوك إذا أرادوا هذه الأمور أو أن يمعنوا في العزة والعظمة عالجوها باستنطاق المستقبل، ليعرفوا ما يخبئه لهم الزمان في مطاوي لياليه من مكنونات الأسرار، أو ليقفوا على مدة أعمارهم في هذه الدنيا، ثم يتطاولون إلى البحث عما وراء هذا الكون ليشرفوا على ما في هوته من مذخر غوامضه، وهذا كله لا يحققه لهم إلا العلم والتنقير عن مستورات الطبيعة ومحتجباتها؛ ولهذا أخذوا ينشرون ألوية المعارف والصنائع في البلاد، ويبثون في الأمة روح السعي للكمال والمحمدة، فنشطوا العلماء والأدباء والحكماء والشعراء، فكان عصرهم من أبهى العصور؛ إذ نبغ فيه أعظم المشاهير، حتى إن القارئ ليسأل نفسه إذا ما وقف على أسماء أولئك النوابغ: أي عصر كان أنفع للحضارة والعلم والعمران؟ أعصر الرشيد والمأمون؟ أم عصر بني بويه؟ على أن المطالع لا يستطيع أن يحكم في هذه المسألة إلا إذا وقف على أسماء بعض أولئك العبقريين الدواهي الذين منهم:
الخرقي شيخ الحنابلة، وأبو بكر الشبلي الصوفي، وابن القاضي إمام الشافعية، وأبو بكر الصولي، والهيثم بن كليب الشاشي، وأبو جعفر النحاس، وأبو نصر الفارابي، وأبو إسحاق المروزي إمام الشافعية، وأبو القاسم الزجاجي النحوي، والدينوري صاحب المجالسة، والمسعودي صاحب مروج الذهب، وابن درستويه، وأبو علي الطبري أول من جرد الخلاف، والفاكهي صاحب تاريخ مكة، والمتنبي، وابن حبان صاحب الصحيح، وأبو علي القالي، وأبو الفرج صاحب الأغاني، والسيرافي النحوي، وابن خالويه، والأزهري إمام اللغة، وابن العميد، والفارابي صاحب ديوان الأدب، والرفاء الشاعر، وأبو علي الفارسي النحوي. وكان أيضا في العصر البويهي: رأس الوزراء الصاحب بن عباد، ورأس الأشعرية أبو إسحاق الإسفرائيني، ورأس المعتزلة القاضي عبد الجبار، ورأس الشيعة الشيخ المقتدر، ورأس الكرامية محمد بن الهيصم، ورأس القراء أبو الحسن الحمامي، ورأس المحدثين الحافظ عبد الغني بن سعيد، ورأس الصوفية أبو عبد الرحمن السلمي، ورأس الشعراء أبو عمر بن دراج، ورأس المجودين ابن البواب، ورأس الملوك محمود بن سبكتكين، ورأس الزنادقة الحاكم بأمر الله، ورأس اللغويين الجوهري، ورأس النحاة ابن جني، ورأس البلغاء بديع الزمان الهمذاني، ورأس الخطباء ابن نباتة، ورأس المفسرين أبو القاسم بن حبيب النيسابوري، ورأس الخلفاء القادر بالله، فإنه من أعلامهم، تفقه وصنف.
ثم جاء بعد هذه الطبقة طبقة لا تقل عنها شأنا ولا علما، منها: أبو الفضل الفلكي، والقدوري شيخ الحنفية، وابن سينا شيخ الفلاسفة، ومهيار الشاعر الذي لا يجارى، والبراذعي المالكي صاحب التهذيب، والثعلبي المفسر، والماوردي، وابن حزم الظاهري، وابن سيده صاحب المحكم، والخطيب البغدادي، وابن رشيق صاحب العمدة، وعبد القاهر الجرجاني، والأعلم النحوي. ولو أردنا سرد أسماء فطاحل ذلك العصر لطال بنا الكلام وخرجنا عن حدود الاعتدال، وفيما ذكرنا كفاية. ومما يدل على أن بني بويه أرادوا أن يضارعوا كبار العباسيين في أعمالهم أن شرف الدولة أمر برصد الكواكب السبعة كما فعل المأمون على ما ألمعنا إليه، وكان ذلك في عهد الطائع لله في سنة 378ه/988م، وهي همة عالية تتقاصر دونها همم كبار الرجال وفحول الأجيال.
إلا أن مع هذه المحاسن كلها التي كانت في بني بويه فإن الظلم كان يتراءى خلال أعمالهم؛ ولهذا لم تطل مدة دولتهم؛ لأن تعمير الدول قرين العدل، والظلم من العوامل الفعالة في إزالتها ومحوها من عالم الوجود.
دولة السلاجقة
Página desconocida