مقدمة التحقيق
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
[آل عمران: ١٠٢]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
[الأحزاب: ٧٠ - ٧١]
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي، هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن علم الحديث من العلوم التي انفرد بها المسلمون، وجاءوا فيها بما لم تأت بمثله أمة من الأمم إلى يوم الناس هذا، حتى قال قائلهم «ليفتخر
1 / 5
المسلمون بعلم حديثهم ما شاءوا» (١)، ولقد شرف هذا العلم؛ لالتصاقه بصاحب الوحي ﷺ، فإن هذا العلم إنما يُعنى بدراسة ما يُنسب إلى النبي ﷺ من أقوال أو أفعال؛ لأن ما صح عنه ﷺ بمنزلة القرآن في الهَدْي، لأنه هو البيان عن القرآن، فيه تفصيل ما أجَمَل القرآن، وإيضاح ما أَبهم، واستثناء ما استثناه الله، وزيادة ما زاده الله بالوحي إلى رسوله ﷺ، وهو في كل ذلك يتعلق بكل كبيرة وصغيرة في حياة الفرد المسلم، وفي حياة الجماعة، وفي روابط هذه الجماعة، وروابطها بغيرها من الجماعات (٢).
ولذا فقد أفرغ أهل العلم جهدهم ووقتهم في التَّقعِيد والتَّنظِير لهذا العلم الشريف.
وكان من بين هؤلاء، الإمام العلامة أبو محمد الحسين بن عبد الله بن محمد الطِّيِبِي الدمشقي، صاحب كتابنا هذا، الذي نحن بصدد تحقيقه والتعليق عليه، وقد جاء كتابه هذا كما يقولون "اسم على مسمى" فهو بحق خلاصة هذا العلم الشريف.
فإنه قد أودع فيه عصارة ما صُنِّف في هذا الفن، كما ذكر في مقدمته لهذا الكتاب، ألا وهي مقدمة ابن الصلاح، والتقريب للنووي، والمنهل الروي لابن جماعة، وأضاف إليهم من مقدمة كتاب جامع الأصول لابن الأثير،
_________
(١) نقله العلامة المعلمي اليماني، عن المستشرق، مرجليوث، في مقدمة تحقيقه لكتاب الجرح والتعديل.
(٢) اقتباس من كلام أديب العربية الشيخ أبي فهر محمود محمد شاكر ﵀ في كتابه ... (أباطيل وأسمار، ص ١٩١) بتصرف.
1 / 6
فجاء بمصنَّف رائع، ليس بالمختصر المخل، ولا بالمسهب الممل، وهو مناسب جدًا لجمهرة طلبة هذا العلم الشريف، على اختلاف طبقاتهم ومراحلهم العلمية.
كيف لا؟ وقد عاش المصنف في أقوى فترات التصنيف والإنتاج العلمي ... إنه القرن الثامن، الذي قُدِّر أن تحيى فيه كوكبة عظيمة من أئمة أهل السنة والجماعة.
منهم على سبيل المثال: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الفذ ابن قيِّم الجوزية، وابن عبد الهادي، والمِزي، والبِرْزَالي، وابن كثير وشمس الدين الذهبي، وغيرهم، عليهم جميعًا رحمة الله تعالى.
التعريف بالكتاب وأهميته:
(١) تسمية الكتاب:
كتب محقق النسخة المطبوعة على طرة الكتاب "الخلاصة في أصول الحديث".
وقد سمَّاهُ مُصَنِّفُهُ "الخلاصة في معرفة الحديث"، كما جاء في مقدمته للكتاب كما في النسخة الأزهرية التي اعتمدناها، ونسخة مركز ودود التي اعتمدناها أيضا، وأيضا في نسخة آيا صوفيا، والتي وضع محقق المطبوعة صورة طرتها وصورة أول صفحة منها - والتي بها مقدمة المصنف - في مقدمته للكتاب، وأيضا العنوان على طرة آيا صوفيا؛ كما ذكرناه، والله أعلم بالصواب
1 / 7
(٢) موضوعه ومشتملاته:
ولقد عجبت من عدم شهرة هذا الكتاب في الآونة الأخيرة، على الرغم من أهميته، كما ذكرنا، بل لأهمية هذا الكتاب، استفاد منه المصنفون بعده مابين ناقل، ومختصر، وغير ذلك.
فقام بتلخيص هذا الكتاب الإمام أبو الحسن الشريف الجرجاني المتوفى سنة ٨١٦ هـ، في كتابه المعروف؛ بمختصر الجرجاني.
وقد طُبع هذا المختصر بتحقيق الدكتور فؤاد عبد المنعم، في دار الدعوة بالإسكندرية.
ثم أخرجه في طبعة أخرى؛ الدكتور علي زوين، في دار الرشد بالرياض.
وقام بشرح هذا المختصر؛ الإمام أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي المتوفى سنة ١٣٠٤ هـ سماه "ظَفر الأماني في مختصر الجرجاني".
وقام بتحقيقه الدكتور تقي الدين الندوي.
ثم حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ونقد طبعة الندوي.
ومن الذين استفادوا من الخلاصة ونقلوا عنها الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١ هـ، في كتابه القيم "تدريب الراوي".
وأيضا الأمير الصنعاني في كتابه "توضيح الأفكار".
كما استفاد منه الإمام اللكنوي ونقل عنه في كتابه "الرفع والتكميل"
1 / 8
وغيرهم.
ولعل السبب في عدم شهرة هذا الكتاب وعزوف المتأخرين عنه، هو عدم خروجه في صورة حسنة.
فإني قد وقفت على الطبعة التي بين يدي الناس من هذا الكتاب، والتي قام بتحقيقها الشيخ صبحي السامرائي، فوجدت فيها كثيرًا من الأخطاء، ما بين تصحيف وتحريف وسقط، ذلك مما يخل بالمعنى في كثير من المواضع، وربما كان ذلك من أخطاء الطباعة، كما أن كثيرا من نصوصه لم توثق بالعزو إلى مصادرها، التي صرح المصنف بها أو التي لم يصرح بها، وهذا ما حرصت على تلافيه في تحقيقي للكتاب.
وقد وقفت على طبعتين لهذا التحقيق؛ الأولى في رئاسة ديوان الأوقاف العراقية، والثانية في دار عالم الكتب، فلم أجد بينهما أي اختلاف يذكر.
فاستخرت الله ﷿ على تحقيق هذا الكتاب، وذلك بعد مشاورة شيخنا العلامة الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، أمد الله بقاءه في الخير، فشجعني على ذلك وأمدني بما أحتاج من مراجع، ولم يبخل علي بنصيحته وتوجيهه فجزاه الله خيرًا.
1 / 9
وصف النسخ الخطية:
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب:
أولا على مخطوطة المكتبة الأزهرية، والتي تُعد من أقيم المخطوطات لهذا الكتاب.
وهي نسخة لا تكادُ تخطئ، إلا في النادر، وهي مكتوبة بخط نسخ عادي ومضبوطة بالشكل في مواضع كثيرة من الكتاب.
وتقع هذه النسخة في تسع وخمسين ورقة، وجهان في كل ورقة، عدا الأخيرة فوجه واحد، ومسطرتها زهاء خمسة عشر سطرًا، وعدد كلمات السطر زهاء اثنتا عشرة كلمة، هذا وقد كُتِب في حاشية آخر ورقة منها وبخط يختلف عن خط الناسخ "نصف الجمادى الآخر سنة ٨٨٣"، كذا بالأرقام، وقد جرت عادة ناسخ هذا الكتاب من أوله إلى آخره أن يكتب الأرقام بالحروف العربية، هذا وعلى النسخة كثير من الحواشي والتعليقات، وقد ذكرت منها ما ظننت أنه يفيد القارئ، وهو في صلب الموضوع، وأعرضت عن ذكر كثير منها، مما لم أرى فيه كبير فائدة، وقد اصطلحنا لها الرمز (ز).
ثانيا على نسخة أتحفني بها الشيخ الفاضل والمحقق الباذل الشيخ أبو عبد الله حسين بن عكاشة حفظه الله، وهي من مصورات مركز ودود للمخطوطات
وتقع ضمن مجموع، من صفحة ثمان وعشرين إلى صفحة اثنين
1 / 10
وستين، أي في ثلاثة وثلاثين ورقة، وجهان في كل ورقة، ومسطرتها زهاء خمس وعشرين سطرًا، وعدد كلمات السطر؛ زهاء اثنتا عشرة كلمة، وكُتِبت بخط فارسي جميل، وهي موافقة إلى حد كبير لنسخة الأزهرية سالفة الذكر ولا يوجد عليها تاريخ النسخ، وبها كثير من الحواشي، ذكرت منها ما ظننت أنه يفيد القارئ، وأعرضت عن ذكر الكثير منها، ممالا أجد تحته كبير فائدة، وقد اصطلحنا لها الرمز (د).
هذا وإتماما للفائدة بقدر الممكن والمستطاع؛ فإني قد استفدت من نسخة آيا صوفيا التي اعتمد عليها محقق المطبوعة، وذلك من الورقتين اللتين أوردهما في مقدمة تحقيقه، وهما الورقة الأولى، والورقة الأخيرة، سيما وهذه النسخة كتبت في حياة المؤلف ﵀، فهي من الأهمية بمكان.
عملي في الكتاب:
قابلت المخطوطتين، على المطبوعة سالفة الذكر، فأثبت الفروق بينهما ... وتركت الإشارة إلى كثير من أخطاء المطبوعة، خشية الملل، إلا أني نبهت على جميع مواضع السقط في أماكنها من الكتاب.
بعد ذلك قمت بقراءة النص بعناية، وعزوت كل نقل إلى قائله بقدر الطاقة
وطابقت هذا النقل بمصدره لأتأكد من صحته، فإن المصنف ﵀ كثيرًا ما ينقل بتصرف.
1 / 11
وقمت أيضًا بالترجمة لكثير من الأعلام الذين ذكروا في أثناء الكتاب.
هذا وقد عرضت عملي هذا على فضيلة الدكتور أحمد معبد عبد الكريم حفظه الله تعالى، فأثنى عليه خيرًا.
وسيجد المطالع لهذا الكتاب أن تعليقاتي قليلة.
ولقد وددت أن لا يكون لي تعليقات على الكتاب أصلا، ولكن هذا ما دعت إليه الضرورة.
وذلك لما تعلمناه من شيوخنا المحققين:
كالعلامة الدكتور أحمد معبد؛ رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، والأستاذ الكبير عصام محمد الشَّنْطِي؛ المدير الأسبق لمعهد المخطوطات العربية، والدكتور أحمد شوقي بنبين؛ رئيس الخزانة العامة الملكية للمخطوطات بالرباط.
تعلَّمنا منهم أن التحقيق؛ هو إخراج النص المُحَقَّق كما أراده صاحبه، يوم قام بتأليفه، وأنا كتبت على طرة الكتاب "كتاب فلان بتحقيق وتعليق فلان" ولم أكتب "كتاب فلان بحاشية فلان"، فحين أكتب تحقيق فلان، عليَّ إذن ألا أخرج عن هذا المعنى، ولقد رأيت من حقق كتابًا، كان في طبعته القديمة في مجلد واحد، فحققه؛ فخرج في عشرة مجلدات!!!
ولا أريد أن أخوض في هذا الموضوع؛ فإن الكلام فيه ذو شجون، ولعله يكون له موضع آخر إن شاء الله.
1 / 12
وأخيرًا، أعددت فهرسًا علميًا للكتاب.
ثم إني لا أنسى في هذا المقام، أن أتقدم بالشكر لكل من عاونني في إخراج هذا الكتاب.
وأخص بالذكر منهم وعلى رأسهم؛ فضيلة شيخنا العلامة الدكتور ... أحمد معبد عبد الكريم، والذي كان له الفضل في كل ذلك.
وأثني بشيخي الفاضل؛ الشيخ أبو معاذ طارق بن عوض الله، والذي كان له أكبر الفضل علي في فهم هذا العلم الشريف، والذي مارست التحقيق في مكتبه وتحت إشرافه، في أول أمري، مستفيدا من علمه وخبرته الطويلة، فجزاه الله خيرًا.
كما أتقدم بالشكر للشيخ عماد الدين عباس والذي أحاطني بنصائحه وإرشاداته.
وأيضًا أتقدم بالشكر للحاج المهندس محمد يوسف والذي ما بخل علي أبدًا لا بنصح ولا مراجع، فله عليَّ يَدٌ، يجزيه الله بها.
وآخرين يضيق المجال عن ذكرهم جميعًا، أسأل الله ﷿ أن يغفر لنا ولهم، ويتجاوز عنا وعنهم.
وإنه لمن نافلة القول، أن أذكر أننِي لا أدعي العصمة لنفسي بل إن الله ﷿، أبى أن يكون كتابٌ صحيحًا غيرُ كتابه، ولكن حسبي أنِّي قد بذلت الوسع، في إقامة هذا النص.
1 / 13
فإن كان خيرًا، فبتوفيق الله وحده ورأفته بضعف عبده، وإن كان غير ذلك فبذنوبي وتقصيري وجهلي، كيف لا وقد رضعنا هذا العلم بثدي من العجز وثدي من التقصير.
فأسأل الله ﵎ أن يعفو عني، وأن يتجاوز عن زلاتي، وأن يجعل عملي هذا خالصًا لوجه الكريم، ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾.
وكتبه راجي عفو ربه الكريم
أبو عاصم الشَّوامي محمد بن محمود بن إبراهيم
لست ليال خلت من ذي الحجة
من عام تسع وعشرين وأربعمائة وألف
من هجرة سيد الخلق ﷺ
1 / 14
ترجمة المصنف (١)
هو الإمام العلم، أبو محمد (٢) الحسين بن محمد بن عبد الله الطِّيْبِي (٣)، الإمام المشهور، صاحب شرح المشكاة وغيره.
قرأت بخط بعض الفضلاء (٤): وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة، فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات إلى أن كان في آخر عمره فقيرًا، قال وكان كريمًا متواضعًا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة، مظهرًا فضائحهم مع استيلائهم في بلاد المسلمين حينئذ، شديد الحب لله ورسوله، كثير الحياء، ملازمًا للجماعة ليلًا ونهارًا شتاءًا وصيفًا، مع ضعف بصره بآخرة، ملازمًا لأشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع، بل يعينهم، ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده، وغيرهم من أهل البلدان ممن يعرف وممن لا يعرف.
محبًا لمن عُرف منه تعظيم الشريعة، مقبلًا على نشر العلم، آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن.
_________
(١) استقيت جل هذه الترجمة من كتاب الدرر الكامنة لابن حجر، والبدر الطالع للشوكاني وكشف الظنون لحاجي خليفة.
(٢) لم أقف على هذه الكنية عند من ترجموا للإمام الطيبي ﵀، وإنما أفدتها من صفحة عنوان نسخة آيا صوفيا والتي كتبت في حياة المصنف ﵀.
(٣) هذه النسبة بالطاء المكسورة، والياء الساكنة المنقوطة من تحتها بنقطتين، والباء المنقوطة من تحتها بنقطة إلى " طِيْب " وهي بلدة بين واسط، وكور الأهواز مشهورة، وينظر الأنساب للسمعاني (٨/ ٢٨٩).
(٤) القائل هو ابن حجر، كما في الدرر الكامنة.
1 / 15
شرح الكشَّاف شرحًا كبيرًا، وأجاب عما خالف مذهب أهل السنة أحسن جواب، يعرف فضله من طالعه، وصنَّف في المعاني والبيان؛ التبيان وشرحه وأمر بعض تلامذته باختصاره، على طريقةٍ نهجها له، وسماه المشكاة وشرحها هو شرحًا حافلًا، ثم شرع في جمع كتاب في التفسير، وعقد مجلسًا عظيمًا لقراءة كتاب البخاري، فكان يشتغل في التفسير من بكرة إلى الظهر، ومن ثَمَّ إلى العصر لإسماع البخاري، إلى أن كان يوم مات فإنه فرغ من وظيفة التفسير، وتوجه إلى مجلس الحديث، فدخل مسجدًا عند بيته فصلى النافلة قاعدًا وجلس ينتظر الإقامة للفريضة؛ فقضى نحبه متوجهًا إلى القبلة وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان سنة ٧٤٣ هـ.
مصنفاته:
• "التبيان في المعاني والبيان" وهو مختصر مشهور، أوله: (الحمد لله الذي أشرقت سنا محامده. . . الخ) ثم شرحه: تلميذه: علي بن عيسى وسماه: (حدائق البيان).
• "فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب" في ست مجلدات ضخام وهو حاشية على كشاف الزمخشري، وهي من أجل حواشيه كما ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون.
قال: رأيت النبي ﷺ قبيل الشروع، أنه ناولني قدحًا من اللبن وأشار إلي فأصبت منه ثم ناولته ﷺ فأصاب منه.
1 / 16
• "الكاشف عن حقائق السنن"
أوله: (الحمد لله مشيد أركان الدين الحنيف. . . الخ)
قال: وكنت قبل قد استشرت الأخ في الدين، بقية الأولياء، قطب الصلحاء، ولي الدين محمد بن عبد الله الخطيب، بِجَمْعٍ، في جمع أصل من الأحاديث
فاتفق رأينا على: " تكملة المصابيح " وتهذيبه وتعيين رواته، فما قصر فيما أشرت إليه من جمعه فبذل وسعه، فلما فرغ من إتمامه، شمرت عن ساق الجد في شرح معضله، بعد تتبع الكتب، وسلكت في النقل منها طريق الاختصار، وكان جُل اعتمادي وغاية اهتمامي بشرح مسلم للنووي؛ لأنه كان أجمعها فوائد وأكثرها عوائد.
• "كتاب الخلاصة في معرفة الحديث"
وهو كتابنا هذا.
1 / 17
صور المخطوطات
1 / 19
أنموذج من مصورة النسخة الأزهرية والمشار إليها بـ (ز)
1 / 20
أنموذج من مصورة مركز ودود والمشار إليها بـ (د)
1 / 21
الخلاصة في معرفة الحديث
تصنيف
شرف الدين أبي محمد الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي الدمشقي
المتوفى ٧٤٣ هـ
حقق وعلق عليه
أبو عاصم الشوامي الأثري
1 / 23
بسم الله الرحمن الرحيم
رب سهِّل (١)
الحمدُ لله عَلى أَفضَالِه، ونَسألُه المَزيدَ مِن نعمهِ ونوَالِه، وصلَّى الله على محمدٍ وآله، الَّلهم كما زِدتَنا نِعمًا، فألهِمنا شكرًا، وبعد.
فهذه جُمَلٌ في معرفة الحديث، مما لا بُدَّ منه للطَّالب، لا سيَّما مَن تَصدَّى للتَّحديث.
لَخصْتهُ من كتاب الإمام مُفتي الشَّام شيخ الإسلام ابن الصَّلاح (٢)، ومُختَصر الإمام المُتقن مُحيي الدين النَّواوي (٣)، والقاضي بدر الدين يُعرَف (٤) بابن
جماعة (٥) ﵃.
_________
(١) قوله "رب سهل" ليس في (د)، وفي (ز) "وبه نستعين"، والمثبت من آيا صوفيا.
(٢) هو أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر النصري الكردي الشهرزوري تقي الدين المعروف بابن الصلاح، المتوفى سنة ٦٤٣ هـ ينظر ترجمته في وفيات الأعيان ٣/ ٢٤٣، وكتابه المشهور " بمقدمة ابن الصلاح " طبع مرارًا.
(٣) هو الإمام محيي الدين، أبو زكريا، يحيى بن شرف المُري الحِزَامي النووي الشافعي شيخ المذهب في زمانه المتوفى سنة ٦٧٦ هـ ينظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى (٩/ ٣٩٥) وكتابه هو المعروف "بالتقريب والتيسير" والذي كان اختصره من كتاب "الإرشاد" له أيضا ... وكلاهما طبع.
(٤) في (ز) المعروف، والمثبت من (د)، ونسخة على (ز)، وآيا صوفيا.
(٥) هو الإمام بدر الدين أبو عبد الله شيخ الإسلام محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الشافعي توفي في سنة ٧٣٣ هـ ينظر ترجمته في الدرر الكامنة (٣/ ٣٦٧) وكتابه هو المعروف " بالمنهل الروي " طبع.
1 / 25
فهذَّبته تهذيبًا ونقَّحتُه تَنقيحًا ورَصَّفته تَرصِيفًا أَنيقًا.
فوضعت كلَّ شيء في مَصبِّه ومَقرِّه، وأَضفتُ إلى ذلك زِيادَاتٍ مُهمَّة من جَامِع الأُصُول (١)، وغَيرِه (٢).
وأَسألُ اللهَ أن يَنفعَ الطَّالبينَ بِه، ويَهديَهُم سَبيلَ الرَّشادِ ويجعله خالصًا لِوجهِهِ الكَرِيم.
وسَمَّيتُه بـ "الخُلاَصَةِ في مَعرفةِ الحَدِيث"، ورتَّبتهُ على مُقدِّمة ومَقَاصِدْ وخَاتِمَة.
_________
(١) "جامع الأصول من أحاديث الرسول " للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير صاحب التصانيف النافعة المتوفى سنة ٦٠٦ هـ، وكتاب جامع الأصول؛ طبع.
(٢) ينظر فهرس مصادر المصنف الذي أعددناه في آخر الكتاب.
1 / 26
المقدمة
العِلمُ بَحَديثِ رسولِ اللهِ ﷺ ورِوَايَته من أشرف العلوم وأفضلها؛ لأنه ثاني أَدِلَّة علوم الإسلام، ومادة علم الأصول والأحكام، لا يرغب في نشره إلا كلُّ صادق تَقيٍّ، ولا يَزهَدُ في نَصرِه إلا كلُّ مُنافق شَقيٍّ.
قال أبو نصر بن سلاَّم (١): ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سَماع الحديث وروايته وإسناده.
ولهذا العلم أُصول وأحكام واصطلاحات وأوضاع، يحتاج طالبه إلى معرفتها ومدار هذه الأمور على المتون والأسانيد والسند (٢)، وغيرها.
الْمَتْنُ: هو ما اكتَنَف الصُّلب من الحيوان، وبه شُبِّه المتن من الأرض ومَتُنَ الشيء قَوِيَ مَتْنُهُ، ومِنه حَبْلٌ مَتِين، فَمَتْنُ كلِّ شيءٍ ما يَتَقَوَّمُ به ذلك الشيء ويَتَقَوَّى به، كما أن الإنسان يَتَقَوَّم بالظَّهر ويَتَقَوَّى به، فَمَتْنُ الحديث ألفاظه التي يَتقوَّم بها المعاني.
واختُلِفَ في متن الحديث أهو قول الصَّحابي عن رسول الله ﷺ كذا وكذا؟ أو هو مَقُولُ رسول الله ﷺ فَحَسْب؟
والأول أَظْهَر، لِمَا تَقَرَّر أنَّ السُّنة إِما قولٌ أو فعلٌ أو تَقْرِيرٌ، والسَّلف أَطْلَقُوا الحديث على أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان وآثارِهِم وفَتَاواهم.
_________
(١) كما في " معرفة علوم الحديث " (ص ٣٥).
(٢) يظهر هنا تفرقة المصنف بين السند والإسناد وكلمة السند سقطت من المطبوعة وأثبتناها من (ز)، (د)، وهي كذلك في نسخة آيا صوفيا التي اعتمد عليها محقق المطبوعة.
1 / 27