تابعين للدولة التركية، ويعلمون أَن ذَلِك معتذر وَلَكِن ساسة المصريين لَا يتَمَنَّى أحد مِنْهُم ذَلِك.
ومسلموا الْهِنْد أَشد عناية من سَائِر مُسْلِمِي الأَرْض بِهَذَا الْأَمر، ونصرهم للخلافة التركية إيجابي وسلبي لَا سَلبِي فَقَط، وَلَا يرضون أَن تكون خلَافَة روحانية لَا حكم لَهَا وَلَا سُلْطَان، فَإِذا تساهلوا فِي بعض شُرُوطهَا الَّتِي يُوجِبهَا مَذْهَبهم الَّذِي يتعصبون لَهُ أَشد التعصب بِشُبْهَة الضَّرُورَة فَلَا يتساهلون فِي أصل موضوعها والمقصد الَّذِي شرعت لأَجله، وَهُوَ إِقَامَة أَحْكَام الشَّرْع الإسلامي فِي الْعِبَادَات والمعاملات المدنية والسياسية وَغَيرهَا، فهم يحتمون أَن يكون الْخَلِيفَة - كَانَ متغلبا - رَئِيس الْحُكُومَة الإسلامية الْأَعْلَى، ثمَّ لَا يسْأَلُون بعد ذَلِك أَقَامَ أَحْكَام الشَّرْع أم لَا، بِدَلِيل مَا كَانَ من تعصبهم لعبد الحميد الَّذِي جعل نَفسه فَوق الشَّرْع والقانون - فَكَانَ مستبدا فِي كل شَيْء - ثمَّ لمُحَمد رشاد الَّذِي لم يكن بِيَدِهِ من الْأَمر شئ، وَكَذَا للاتحاديين الَّذين سلبوه كل شئ، ثمَّ لوحيد الدّين، إِلَى أَن فر مَعَ الْأَجَانِب مغاضبا لِقَوْمِهِ ولسائر الْمُسلمين.
فَإِذا ظلّ هَذَا مُنْتَهى شوطهم، فَلَا حَيَاة للخلافة الصَّحِيحَة بسعيهم، وَلَا حَاجَة إِلَى تأليف حزب أَو جمعية غير مَا عِنْدهم، وَيُمكن على هَذَا إرضاؤهم بالخلافة الروحية بحيلة لفظية، كَأَن تشْتَرط الْحُكُومَة الفعلية على من تسميه خَليفَة أَن يُفَوض إِلَيْهَا أَمر الْأَحْكَام كلهَا أَو مَا يسمونه الْآن فِي عرف القوانين بالسطتين التشريعية والتنفيذية. . وَإِن كَانَ يعلم هُوَ وَسَائِر النَّاس أَن التَّفْوِيض الصَّحِيح فِي الشئ إِنَّمَا يكون مِمَّن يملكهُ، وَيكون مُخْتَارًا فِيهِ، وَأَنه لَا يسلبه حق مراقبة الْمُفَوض إِلَيْهِ ومؤاخذته وَلَو بِالْعَزْلِ، إِذا خَالف نُصُوص الشَّرْع، أَو خرج عَن جادة الْعدْل، بل هَذِه المراقبة على الوزراء والأمراء والقواد وَاجِبَة على إِمَام الْمُسلمين وَهُوَ مُقَيّد فِيهَا وَفِيمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا بنصوص الشَّرْع وبمشاورة أهل الْحل وَالْعقد، لَا مستبد فِي الْأَمر. .
إِذا ظلّ الْمُسلمُونَ على هَذِه الْحَالة فَلَا إِمَامَة وَلَا إِمَام، وَقد آن لَهُم أَن يفقهوا أَن جعل أَحْكَام الضَّرُورَة فِي خلَافَة التغلب أصلا ثَابتا دَائِما هُوَ الَّذِي هدم بِنَاء الْإِمَامَة، وَذهب بسلطة الْأمة الْمعبر عَنْهَا بِالْجَمَاعَة، وترتب عَلَيْهِ تفرق الْكَلِمَة، وَضعف الدّين والدولة، وَظُهُور الْبدع على السّنة. . وَقد انْقَلب الْوَضع وَعم الْجَهْل، حَتَّى صَار الألوف من كبراء حكام الْمُسلمين وقوادهم وزعمائهم فِي دنياهم يظنون فِي هَذَا
1 / 76