الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالخلافة الإسلامية
لقد كَانَت الْخلَافَة والسلطنة فتْنَة للنَّاس فِي الْمُسلمين كَمَا كَانَت حُكُومَة الْمُلُوك فتْنَة لَهُم فِي سَائِر الْأُمَم والملل. . وَكَانَت هَذِه الْمَسْأَلَة نَائِمَة فأيقظتها الْأَحْدَاث الطارئة فِي هَذِه الْأَيَّام، إِذْ أسقط التّرْك دولة آل عُثْمَان، وأسسوا من أنقاضها فيهم دولة جمهورية بشكل جَدِيد، من أُصُولهَا أَنهم لَا يقبلُونَ أَن يكون فِي حكومتهم الجديدة سلطة لفرد من الْأَفْرَاد لَا باسم خَليفَة وَلَا باسم سُلْطَان، وَأَنَّهُمْ قد فصلوا بَين الدّين والسياسة فصلا تَاما وَلَكنهُمْ سموا أحد أَفْرَاد أسرة السلاطين السَّابِقين خَليفَة روحيًا لجَمِيع الْمُسلمين، وحصروا هَذِه الْخلَافَة فِي هَذِه الأسرة، كَمَا بَينا ذَلِك بالتفصيل فِي هَذَا الْجُزْء وَمَا قبله من الْمنَار. لذَلِك كثر خوض الجرائد فِي مَسْأَلَة الْخلَافَة وأحكامها، فَكثر الْخَلْط والخبط فِيهَا، وَلبس الْحق بِالْبَاطِلِ، فَرَأَيْنَا من الْوَاجِب علينا أَن نبين أَحْكَام شريعتنا فِيهَا بالتفصيل الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمقَام، ليعرف الْحق من الْبَاطِل، وَأَن نقفى على ذَلِك بمقال آخر فِي مَكَان نظام الْخلَافَة من نظم الحكومات الْأُخْرَى، وسيرة الْمُسلمين فِيهِ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُم فِي هَذَا الزَّمَان.
وَإِن تأييدنا للحكومة التركية الجديدة، لمما يُوجب علينا هَذَا الْبَيَان والنصيحة، وَنحن إِنَّمَا نؤيدها لمَكَان الدّين، ومصلحة الْمُسلمين، وَمَا أَضْعَف ديننَا وَأَهله، إِلَّا محاباتهم للأقوياء فِيهِ، فَكَانَت مُحَابَاة الْعلمَاء للملوك وَالْخُلَفَاء وبالا عَلَيْهِم وعَلى النَّاس، وَقد أَخذ الله الْمِيثَاق على الْعلمَاء ﴿لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه﴾ ﴿وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ﴾ وَمن الله نستمد الصَّوَاب، ونسأله الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب:
1 / 13