وَجعل الدولة التركية كافلة لمنصب الْخلَافَة، لَا يتم إِلَّا بِجمع حزب الْإِصْلَاح لكلمة الْمُسلمين المتفرقة بجذب أَكثر أَصْحَاب النّفُوذ إِلَيْهِ، حَتَّى تَنْحَصِر صِفَات أهل الْحل وَالْعقد فِيهِ، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك بتحويل الْعلمَاء مِنْهُم عَن جمود التَّقْلِيد وعصبية الْمذَاهب، وكشف شُبُهَات المتفرنجين على الدّين وَالشَّرْع، وَبَيَان الْخَطَأ فِي عصبية الْجِنْس، فَإِن كَانَ إقناع السوَاد الْأَعْظَم بذلك غير مستطاع الْآن، فَحسب هَذَا الحزب من النجاح الرجحان على سَائِر الْأَحْزَاب، واستعداده لذَلِك بِمَا سنبينه من الْأَسْبَاب. .
إِن الْإِسْلَام هِدَايَة روحية، ورابطة اجتماعية سياسية، فالكامل فِيهِ من كملتا لَهُ، والناقص فِيهِ من ضعف فِيهِ إِحْدَاهمَا أَو كلتاهما، وَقد فقدهما مَعًا الْمَلَاحِدَة من غلاة العصبية الجنسية، فَهَؤُلَاءِ لَا علاج لَهُم، لَا عِنْد أنصار الْخلَافَة وَلَا عِنْد غَيرهم، وَلَكِن بَيَان حَقِيقَة الْإِسْلَام، وَمَا فِيهِ من الحكم وَالْأَحْكَام، الكافلة لأرقى معارج الْمَدِينَة والعمران، مَعَ الْخُلُو من كل مَا فِي المدنية المادية من الشَّرّ وَالْفساد، على الْوَجْه الَّذِي سنشير إِلَيْهِ فِي أبحاثنا هَذِه - يفل من حَدهمْ، ويوقفهم عِنْد حَدهمْ، بل يهدي من لم يخْتم على قلبه من أفرادهم، وَهُوَ بهداية الْكثير من غَيرهم أقوم، ونجاح الدعْوَة فيهم أَرْجَى. .
حَسبنَا هَذِه الْإِشَارَة إِلَى مَا يجب من السَّعْي لهَذَا الْعَمَل فِي التّرْك، وَأما الشّعب الْعَرَبِيّ الَّذِي هُوَ أصل الْإِسْلَام وأرومته، وَلَا حَيَاة لَهُ بلغته، وَلَا تتمّ أَرْكَانه إِلَّا بفريضة الْحَج الَّتِي تُؤدِّي فِي بِلَاده، وَهُوَ الرُّكْن الاجتماعي الوحيد الْجَامِع بَين شعوبه، وَلَا يُمكن أَن تكون الْإِمَامَة الصَّحِيحَة الْعَامَّة بمعزل عَنهُ، فَهُوَ شعب كُله متدين، لَيْسَ فِي جزيرته إلحاد وَلَا تفرنج، وَإِنَّمَا آفته الْجَهْل بطرق إدارة الْبِلَاد وعمرانها، وبالعلوم والفنون الَّتِي يتَوَقَّف حفظ الِاسْتِقْلَال وَعزة الْملَّة عَلَيْهَا، وتعادي الْأُمَرَاء، ودسائس الْأَعْدَاء، فَكل مَا يجب لَهُ على حزب الْإِصْلَاح، إقناع أمرائه بِمَا يجب من الِاتِّحَاد، ومساعدتهم على مَا يجب من إعداد وَسَائِل الْقُوَّة والعمران، وَهَا نَحن أولاء نذْكر بِمَا يجوز نشره من برامج الْأَعْمَال، وأساليب الِاسْتِدْلَال وكنه استعداد الْمُسلمين لهَذَا الْأَمر الْعَظِيم. .
1 / 74