يكون خيرا مِنْهُ، وَإِنَّمَا فعله تقليدا لتِلْك الْأُمَم الأبية، إِذْ كَانَ جَمَاهِير عُلَمَاء التّرْك والهند ومصر وَغَيرهَا من الأقطار، يوجبون عَلَيْهِ طَاعَة خلفاء سلاطين بني عُثْمَان، ماداموا لَا يظهرون الْكفْر وَالرِّدَّة عَن الْإِسْلَام، مهما يكن فِي طاعتهم من الظُّلم وَالْفساد، وخراب الْبِلَاد، وإرهاق الْعباد، عملا بالمعتمد عِنْد الْفُقَهَاء بِغَيْر نظر وَلَا اجْتِهَاد! وَهَذَا أهم أَسبَاب اعْتِقَاد الْكثير مِنْهُم، إِن سلطة الْخلَافَة الشَّرْعِيَّة، تحول دون حفظ الْملك والحياة الاستقلالية، وسنفصل الْكَلَام فِي هَذَا بعد وَفِيمَا يجب لجعل الحكم شَرْعِيًّا إسلاميا. .
مَا يخرج بِهِ الْخَلِيفَة من الْإِمَامَة:
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ بعد بَيَان مَا يجب على الإِمَام - وَقد تقدم - وَإِذا قَامَ الإِمَام بِمَا ذَكرْنَاهُ من حُقُوق الْأمة فقد أدّى حق الله تَعَالَى فِيمَا لَهُم وَعَلَيْهِم وَوَجَب لَهُ عَلَيْهِم حقان الطَّاعَة والنصرة - مالم يتَغَيَّر حَاله.
" وَالَّذِي يتَغَيَّر بِهِ حَاله فَيخرج بِهِ عَن الْإِمَامَة شَيْئَانِ أَحدهمَا جرح فِي عَدَالَته وَالثَّانِي نقص فِي بدنه، فَأَما الْجرْح فِي عَدَالَته فَهُوَ على ضَرْبَيْنِ (أَحدهمَا) مَا تَابع فِيهِ الشَّهْوَة. . (الثَّانِي) مَا تعلق فِيهِ بِشُبْهَة، فَأَما الأول مِنْهُمَا فمتعلق بِأَفْعَال الْجَوَارِح وَهُوَ ارتكابه للمحظورات، وإقدامه على الْمُنْكَرَات، تحكيما للشهوة وانقيادا للهوى، فَهَذَا فسق يمْنَع من انْعِقَاد الْإِمَامَة وَمن استدامتها، فَإِذا طَرَأَ على من انْعَقَدت إِمَامَته خرج مِنْهَا، فَلَو عَاد إِلَى الْعَدَالَة لم يعد إِلَى الْإِمَامَة إِلَّا بِعقد جَدِيد. .
وَأما الثَّانِي مِنْهُمَا فمتعلق بالاعتقاد والمتأول بِشُبْهَة تعترض فيتأول لَهَا خلاف الْحق فقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا فَذهب فريق مِنْهُم إِلَى أَنَّهَا تمنع من انْعِقَاد الْإِمَامَة وَمن استدامتها، وَيخرج بحدوثه مِنْهَا ". الخ (ص ١٦)
الْمنَار: وَبعد تَفْصِيل الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي الابتداع بالتأول ذكر الْقسم الثَّانِي مِمَّا يمْنَع من الْخلَافَة وَهُوَ نقص الْبدن فَجعله ثَلَاثَة أَقسَام: نقص الْحَواس وَنقص الْأَعْضَاء وَنقص التَّصَرُّف وَقسمهَا أَيْضا إِلَى أَقسَام وَأطَال فِي بَيَان أَحْكَامهَا، وَالَّذِي تَقْتَضِي الْحَال نَقله مِنْهُ نقص التَّصَرُّف وَقد عقد لَهُ فصلا خَاصّا قَالَ فِيهِ مَا نَصه:
1 / 46