وزمان وَإِن خَالف الْمصلحَة، كَمَا فعلوا فِي الْأَخْذ بظواهر مبايعة أبي بكر وَعُثْمَان واستخلاف عمر. فَاكْتفى بشرع الله للمشاورة وتربيته [ﷺ] الْأمة عَلَيْهَا بِالْعَمَلِ. على أَن أولي العصبية خالفوا مَا شَرعه الله بِاتِّبَاع أهوائهم ومطامعهم لتقصير أولي الْأَمر فِي وضع هَذَا النظام لكل زمَان بِمَا يُنَاسِبه، كَمَا ضبط عمر ﵁ الْأَمر فِي زَمَنه بِمَا يُنَاسِبه، بل عَنى عُلَمَاؤُنَا بمسائل النَّجَاسَة وَالْحيض والبيوع أَشد من عنايتهم بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة، حَتَّى قَالَ إِمَام كَبِير مثل الْأَشْعَرِيّ إِن بيعَة رجل وَاحِد من أهل الْحل وَالْعقد تلْزم الْأمة إِذا أشهد عَلَيْهَا فَأنى يَسْتَقِيم أَمر أمة تعْمل بِهَذَا القَوْل فِي رياستها الْعَامَّة؟ .
وَأما الْآثَار عَن الرَّاشِدين فِي الْمُشَاورَة فكثيرة (مِنْهَا) مَا رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَيْمُون بن مهْرَان أَن أَبَا بكر كَانَ يسْأَل عَامَّة الْمُسلمين عَمَّا لَا يجد فِيهِ نصا من الْكتاب وَلَا سنة عَن النَّبِي [ﷺ] هَل يعلمُونَ عَن النَّبِي [ﷺ] فِيهِ شَيْئا فَرُبمَا قَامَ إِلَيْهِ الرَّهْط فَقَالُوا نعم قضى فِيهِ بِكَذَا فَيَأْخُذ بِهِ ويحمد الله تَعَالَى (قَالَ) وَإِن أعياه ذَلِك دَعَا رُءُوس الْمُسلمين وعلماءهم فاستشارهم فَإِذا اجْتمع رَأْيهمْ على أَمر قضى بِهِ، وَإِن عمر بن الْخطاب كَانَ يفعل ذَلِك، وَزَاد أَنه كَانَ بعد النّظر فِي الْكتاب وَالسّنة ينظر فِيمَا قضى بِهِ أَبُو بكر أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يقْضى إِلَّا بِنَصّ أَو مُشَاورَة. وَانْظُر إِلَى الْفرق بَين سُؤال عَامَّة الْمُسلمين عَن الرِّوَايَة واختصاص الرؤساء وَالْعُلَمَاء بالمشاورة، ذَلِك بِأَنَّهُم هم جمَاعَة أولي الْأَمر وَأهل الْحل وَالْعقد الَّذين أَمر الْكتاب بطاعتهم بعد طَاعَة الله وَرَسُوله وَقَالَ فِي إِحَالَة أَمر الْأمة إِلَيْهِم ﴿وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أولى الْأَمر مِنْهُم لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم﴾ .
(وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو سعيد فِي الْقَضَاء عَن عَليّ قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِن عرض لي أَمر لم ينزل قَضَاء فِي أمره وَلَا سنة كَيفَ تَأْمُرنِي؟ قَالَ:
" تجعلونه شُورَى بَين أهل الْفِقْه والعابدين من الْمُؤمنِينَ وَلَا تقضي فِيهِ بِرَأْيِك خَاصَّة ".
(وَمِنْهَا) مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس: وَكَانَ الْقُرَّاء أَصْحَاب مجْلِس عمر ومشاروته كهولا كَانُوا أَو شبَابًا. وَذكر وَاقعَة فِي رُجُوع عمر إِلَى قَول من يذكرهُ بِالْقُرْآنِ، وَقَالَ: وَكَانَ وقافا عِنْد كتاب الله ﷿ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من
1 / 40