طَاعَة من يولونه عَلَيْهَا فينتظم بِهِ أمرهَا، وَيكون بمأمن من عصيانها وخروجها عَلَيْهِ، قَالَ السعد فِي شرح الْمَقَاصِد كَغَيْرِهِ من الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء: هم الْعلمَاء والرؤساء ووجوه النَّاس زَاد فِي الْمِنْهَاج للنووي الَّذين يَتَيَسَّر اجْتِمَاعهم. وَعلله شَارِحه الرملى بقوله لِأَن الْأَمر يَنْتَظِم بهم ويتبعهم سَائِر النَّاس. وَهَذَا التَّعْلِيل هُوَ غَايَة التَّحْقِيق منطوقًا ومفهومًا فَإِذا لم يكن المبايعون بِحَيْثُ تتبعهم الْأمة فَلَا تَنْعَقِد الْإِمَامَة بمبايعتهم. . وَهَذَا هُوَ الْمَأْخُوذ من عمل الصَّحَابَة ﵃ فِي تَوْلِيَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، فَإِن عمر عَدّ البدء فِي بيعَة أبي بكر فلتة لِأَنَّهُ وَقع قبل أَن يتم التشاور بَين جَمِيع أهل الْحل وَالْعقد إِذْ لم يكن فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة أحد من بني هَاشم وهم فِي ذروتهم، وتضافرت الرِّوَايَات بِأَن أَبَا بكر ﵁ أَطَالَ التشاور مَعَ كبراء الصَّحَابَة فِي ترشيح عمر فَلم يعبه أحد لَهُ بِشَيْء إِلَّا شدته، وَإِن كَانُوا يعترفون أَنَّهَا فِي الْحق، فَكَانَ يُجِيبهُمْ بِأَنَّهُ يرَاهُ يلين فيشتد هُوَ - وَهُوَ وزيره - ليعتدل الْأَمر، وَأَن الْأَمر إِذا آل إِلَيْهِ يلين فِي مَوضِع اللين ويشتد فِي مَوضِع الشدَّة، حَتَّى إِذا رأى أَنه أقنع جُمْهُور الزعماء - وَفِي مقدمتهم عَليّ كرم الله وَجهه - صرح باستخلافه فقبلوا وَلم يشذ مِنْهُم أحد، وَلما طعن عمر رأى حصر الشورى الْوَاجِبَة فِي الزعماء السِّتَّة الَّذين مَاتَ الرَّسُول [ﷺ] وَهُوَ عَنْهُم رَاض لعلمه بِأَنَّهُ لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِم أحد وَلَا يخالفهم فِيمَا يتفقون عَلَيْهِ أحد، لأَنهم هم المرشحون للْإِمَامَة دون سواهُم (وهم عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَلما أخرج نَفسه عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مِنْهُم وَجعلُوا لَهُ الِاخْتِيَار بَقِي ثَلَاثًا لَا تكتحل عينه بِكَثِير نوم وَهُوَ يشاور كبراء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَلما رَجَعَ عُثْمَان دَعَا الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وأمراء الأجناد فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْد مِنْبَر رَسُول الله [ﷺ] بعد صَلَاة الْفجْر صرح لَهُم بِاخْتِيَارِهِ لعُثْمَان وَبَايَعَهُ هَؤُلَاءِ كلهم، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَغَيره. . وَالْمرَاد بأمراء الأجناد وُلَاة الأقطار الْكُبْرَى مصر وَالشَّام وحمص والكوفة وَالْبَصْرَة وَكَانُوا قد حجُّوا مَعَ عمر فِي ذَلِك الْعَام وحضروا مَعَه الْمَدِينَة. وَلما شَذَّ أحد هَؤُلَاءِ الْوُلَاة - وَهُوَ مُعَاوِيَة فَلم يُبَايع عليا كرم الله وَجهه مَعَ إِجْمَاع سَائِر الْمُسلمين على مبايعته - كَانَ من الْفِتْنَة وتفرق الْكَلِمَة مَا كَانَ. . وَإِنَّمَا تصح الْمُبَايعَة باتفاقهم، أَو اتِّفَاق الرؤساء الَّذين يتبعهُم
1 / 19