Pensamientos de Imaginación
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Géneros
قضت الكاتبة ردحا من الزمن بين تونس والجزائر ومراكش، وتعودت لهجة المغاربة الذين يسكنون كل حرف ويحذفون كل متحرك؛ فظهر لها أن المصريين في لهجتهم يطيلون مد المتحركات حتى أصبح كلامهم غناء.
ثم انتقلت إلى اللغة دون أن تدري منها شيئا أو تطالع ما كتبه المستشرقون عنها من غالب الإفرنج وأولهم الفرنسيون مثل: «رينان وسيلفستر دوساسي وهويار» وغيرهم من الإعجاب بالعربية وفصاحتها وبلاغتها، ولا شك أنها لم تدر من ذلك شيئا حتى قالت: إنها تقليد للإبل والخيل والشاء والكلاب والأسود. وهذا الكلام أشبه ببحران محموم أو خلط مصروع، ومن الغريب أنها قالت: إن الصاد والضاد موجودتان في ثغاء النعاج، والحال أن الطفل عندنا حينما يبلغ الثالثة يقلد أصوات الحيوانات ويقول: «ماء» حاكيا صوت الشاة، وليس في هذا الصوت صاد ولا ضاد، فالكاتبة إذن أقل من الطفل فهما.
وقالت: إن القاف المزعجة التي تشبه سعال الخيل لا يتأتى للحلق الإفرنجي أن ينطق بها، وهذا افتراء أيضا؛ لأن مالطة التي هي جزيرة إفرنجية يتكلم أهلها بقاف أضخم من قافنا، وعندهم العين والحاء والخاء التي قالت عن أولاها أنها مأخوذة من هدير البعير، وعن الأخيرتين أنهما من تنخم السباع الهائجة في الصحراء، والخاء أيضا موجودة في اللغات الألمانية والنمسوية والإسبانية.
بنت الكاتبة على توهمها أن المصريين يطيلون من المتحركات أنهم يتكلمون بالغناء، وأن كلامهم موزون ملحن، وعلى هذا الوهم أنشأت محاضرتها واستنتجت أن جميع الشرق وزن، وأن هذا الوزن يضطرهم كالقضاء المحتوم إلى اقتراف أعمال التوحش من أكل النار والزجاج والوقوف على اللهيب عند المصريين، وضرب الجباه بالسيوف والظهور بالسلاسل عند العجم.
رأت خادمة أو فقيرة تحمل على رأسها آلة خياطة لتصلحها أو توصلها إلى منزلها فتوهمت أنها مستخدمة ككثير من أمثالها في المحلات الإفرنجية، وموكلة بتوزيع هذه الآلات، وهذا لا وجود له عندنا بالمرة.
وقالت: إنها رأت في مقبرة المسيحيين بالإسكندرية عجوزا مصرية في زي العجائز في بلادها وبرأسها قبعة من نوع «الكابوت» وهذا وهم فاسد؛ لأنه لا توجد بمصر مسيحيات مصريات غير الأقباط، وهن لا يلبسن القبعات ويستثنى عندهن التلميذات، فلا بد أن تكون هذه السيدة سورية مسيحية، ومن آداب الكاتبة أنها شبهت هذه السيدة التي تبكي ابنتها بالذئاب العاوية.
ثم انتقلت إلى الذكر وقالت عنه إنه مزعج، وفي الحقيقة إنه يزعجنا أكثر منها، وما هو إلا بدعة دينية لا تتعدى الرعاع والبسطاء من القرويين، وإن الدين ليبرأ من هذه العادات الممقوتة التي ابتدعها هؤلاء الرعاع.
أما الشعوذة التي يعملونها في الذكر فما هي إلا أعمال سيماوية ويازرجية يتعلمها بعضهم عن بعض ليراءوا بها، ويظهروا بمظهر التقوى والكرامات؛ فتقبل أيديهم، وتنهال عليهم من أمثالهم صنوف البر والخير، ويعدونهم من الأولياء أصحاب الكرامات.
كما أن حفلة عاشوراء بدعة من عوام العجم، وقد حققت ذلك الكاتبة حينما زارتهم في صباح الحفلة بخان الخليلي فوجدتهم من فقراء التجار الذين يتجرون بالسلع الحقيرة.
ثم قالت الكاتبة: «النوبة العصبية هي الكلمة الملائمة، وكل شيء في الشرق نوبة عصبية صاعقة لا يمكن التنبؤ بما سيحصل قبلها ولا كشف أسرار ما سيقع بعدها.» فلو كان عند الكاتبة شيء من التفكير والتروي وصدق الحكم لما حكمت على جميع الشرقيين بهذا الحكم القاسي المضحك، وهل تؤخذ أمم عديدة بجريرة شاذة يقترفها بعض السفلة؟!
Página desconocida