Pensamientos de Imaginación
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Géneros
ففي الحالة الأولى يتركب شكله من الصياح وجميع أنواعه، وفي الثانية من التمثيل بالأصوات ودرجته في الإتقان، وفي الثالثة من الكلام الأصلي الذي تنقله الكتابة.
تتميز هذه القوى الثلاث من مصدرها، ودرجتها في المفهومية والإلهام هو مصدرها المشترك، ولكن الأولين يمكن أن يكونا من عمل الإلهام المحض، وأما الأخير فيعتمد معظمه على الاتفاق والاصطلاح، وحينما يكون الصوت الإنساني نتيجة وقتية للانفعال أو صدى لأصوات الأشياء الخارجية يؤثر مباشرة في الإحساس الطبيعي للسامع، وتكون طرق تعبيره مفهومة لدى جميع الناس لمكانتها من الحقيقة الصريحة.
ووقتما يكون الصوت الإنساني علامة للفكرة فإنه يخاطب العقل وله معنى عظيم كامل، ولطرق تعبيره مفهومية محصورة؛ لأن صفاتها اتفاقية عرفية، فلننظر الآن في الحالتين الأوليين؛ أي الكلام الطبيعي الإلهامي المحض وقدرته على الترجمة عن الشعور.
كيف تتأتى هذه الترجمة إذن؟ إن بين الحياة الروحية والحياة الجثمانية مهوى عميق لا تدركه البراهين الفلسفية، ولكن الطريق سهل ممهد بين هاتين الحياتين وبين الطبيعة، والتجارب العامة هي التي تيسر لنا معاينة هذه العجيبة المدهشة والعادية في آن واحد؛ إذ يجعل الصوت الانفعال محسوسا وللآذان مثل ما يصيره النظر مرئيا للعيون.
يهتز الفؤاد من صدمة الآلام كما ترتجف أوتار الكنارة تحت أنامل الموسيقار، ويتبع تنوعات الشعور الدقيقة بسهولة لا يتأتى تحديدها.
يمكننا أن نميز العناصر الآتية في الأصوات التي يتركب منها الصوت الإنساني؛ قوتها وعلوها، ومدتها ورنينها وحركة تتابعها، وسنبين درجة تعبير هذه الصفات المختلفة للكلام الطبيعي، وأنها ما فتئت مستعملة في الغناء وهو الحجر الأول للموسيقى الآلية.
للأصوات المستعملة في الموسيقى تشابه مع الصياح وتنوعات الكلام الطبيعي، وقد قال «ليسينج» الكاتب الألماني الشهير: «ليست الأصوات الموسيقية علامة لشيء ما لأنها لا تعبر مطلقا، بل تتابع الأصوات وحده هو الذي يعبر أو يوقظ الأهواء.»
وهذه الفكرة تبين لنا أن الصوت يشبه النقطة الهندسية التي لا تفيد شيئا وحدها، لكنها إذا انضمت إليها نقط أخرى أنشأت خطا.
وقال «داروين»: «جميع أصوات الطبيعة من طنين الحشرة إلى قصف الرعد وصوت الإنسان ترتبط بنصر أو هزيمة في معترك الحياة.»
وتنطوي خلال هذا الجملة فكرة عظيمة فخمة لا حاجة لنا الآن لخوض عبابها، بل يكفينا أن نقول: إن الأصوات الموسيقية لها صفات تشبه مثيلاتها في الصوت الإنساني، فهي إذن عناصر التعبير.
Página desconocida