Pensamientos de Imaginación
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Géneros
كان والد المترجم به نجارا، ولما راجت صناعته فتح مخزنا لبيع الأخشاب بجانب تكية الكلشني بالقرب من باب زويلة، وأرسل ابنه إلى الكتاب فحفظ القرآن، ثم طمحت نفسه إلى طلب العلم فذهب إلى الأزهر، ولازم حضور السيد علي المقدسي وغيره من أفاضل الوقت، فأنجب في فقه الشافعية والمعقول بقدر الحاجة، وشغف بمطالعة الأدب والتاريخ والتصوف حتى أصبح نادرة عصره في المحاضرات والمحاورات واستحضار المناسبات.
ولدماثة أخلاقه، ولطف سجاياه، وكرم شمائله، وخفة روحه، صحبه كثير من أرباب المظاهر والرؤساء والكتاب والأمراء وكبار التجار.
يقول لنا الجبرتي: إن شاعرنا السيد الشريف أبا الحسن إسماعيل بن سعد بن إسماعيل الوهبي الحسيني الشافعي كانت له قوة استحضار في إبداء المناسبات حسبما تقتضيه حال المجلس، فكان يجانس ويشاكل كل جليس بما يدخل عليه السرور، ويأسر لبه بلطف سمره ومنادمته الجذابة الخلابة.
ولما دخل الفرنسيون مصر عين المترجم به محررا لتاريخ حوادث الديوان، وقرر له الجنرال جاك منو في كل شهر سبعة آلاف نصف فضة.
علق المترجم به شابا من رؤساء كتاب الفرنسيين وكان جميل الصورة لطيف الطبع عالما ببعض العلوم العربية ويحفظ كثيرا من الشعر، فلتلك المجانسة في الميول مال كل منهما إلى الآخر حتى كان لا يقدر أحدهما على مفارقة صاحبه، فكان المترجم به تارة يذهب إلى داره وطورا يزوره هو، ويقع بينهما من لطيف المحاورة ما يتعجب منه، وهو الذي نفح الشاعر بهذه النفحات العظيمة والغزل الفائق.
ولم يزل المترجم به على حالته ورقته ولطافته، مع ما كان عليه من كرم النفس والعفة والنزاهة والولع بمعالي الأمور والتكسب وكثرة الإنفاق، وسكنى الدور الواسعة، وكان له صديق يسمى أحمد العطار بباب الفتوح توفي فتزوج شاعرنا امرأته وهي نصف، وأقام معها نحو ثلاثين سنة ولها ولد صغير من زوجها المتوفى، فتبناه ورباه ورفهه بالملابس وأشفق عليه إشفاق والد بولده، ولما ترعرع زوجه وأقام له مهرجانا فخما، وبعد سنة من زواجه مرض أشهرا أنفق فيها كثيرا من المال عليه، ثم قضى الغلام نحبه فجزع عليه جزعا شديدا وأقام له مأتما عظيما، واختارت أمه دفنه بجامع الكردي بالحسينية ورتبت له رواتب وقراء، واتخذت مسكنا ملاصقا لقبره أقامت به نحو الثلاثين سنة، وهي مداومة على عمل الشريك والكعك بالعجمية والسكر وطبخ الأطعمة للمقرئين والزائرين كل جمعة على الدوام، وشاعرنا طوع أمرها في كل ما طلبته، وكان كل ما وصل إليه من مال أو كسب ينفقه عليها وعلى أقاربها وخدمها لا لذة له في ذلك حسية ولا معنوية؛ لأنها في ذاتها عجوز شوهاء وهو نحيف ضعيف الحركة جدا، ومرض بحصر البول مع الحرقة والتألم وطال عليه حتى لزم الفراش أياما، ثم توفي في يوم السبت ثاني الحجة سنة 1230 بمنزله الذي استأجره بدرب قرمز، وصلي عليه في الأزهر في مشهد حافل، ودفن عند ابنه المذكور بجامع الكردي.
وقد اهتم الشيخ حسن العطار بجمع ديوان الخشاب في حياته سنة 1227 لإعجابه الشديد برقته وبلاغته وسمو خياله؛ أي قبل موته بثلاث سنين، ويؤيد ذلك التاريخ الذي وضعه ناسخ الديوان محمد صالح الفضالي الواقعي المصري، إذ انتهى من نسخه في يوم الأحد 11 شوال سنة 1227، وقد عاش المترجم بعد جمع ديوانه ثلاث سنين، ولا يبعد أنه نظم فيها شيئا ليس بالقليل، ولأنه لم يترك عقبا امتدت يد الشتات إلى نظمه الأخير.
لا نعرف بالضبط التاريخ الذي بدأ فيه بمعالجة القريض، وأقدم تاريخ في ديوانه سنة 1201 يؤرخ به ميلاد ابن أبي الأنوار السادات، ومن ذلك يعلم أنه مكث يقرض الشعر أكثر من ثلاثين سنة.
طرق الشاعر عدة أنواع من الشعر وهي: الغزل، والخمريات، والمدح، والرثاء، والتهاني، والوصف، والموشحات، والأدوار، وإن ألقينا نظرة عامة في شعره وجدناه صادق الوصف، منسجم السياق، رشيق الأسلوب، يحسن اختيار الألفاظ وموسيقى الأوزان، خفيف الروح فخم التراكيب، مسلسل المعاني متصلها، ولم نر في جميع ديوانه شيئا من الهجو، وهذا مما يدل على سمو أخلاقه.
ولغزله المكانة الأولى ولا سيما ما قاله في صديقه الفرنسي الذي سبق الكلام عنه، فإنه يتأجج بعنيف العواطف والصراحة في القول ورقة التعبير ورشاقة الوصف، ومن أرق قوله فيه:
Página desconocida