Pensamientos de Imaginación
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Géneros
ولولا الإطالة لسردت شيئا كثيرا من المواقف التي تصور هذا الكاتب، وما على المستزيد إلا أن يطالع الكتاب كله ليرى فيه أضعاف أضعاف ما ذكرناه، وأظن أن النسخ الآسيوية القديمة ليست بهذه القحة ولا هذا البرود وتلك السماجة.
هذا ما وصل إليه جهد استطاعتي، وعسى أن لا يضن الأستاذان الكبيران صاحبا السعادة أحمد زكي باشا وأحمد تيمور باشا بموافاة القراء بمعلوماتهما عن هذا الكتاب توصلا للحقيقة وخدمة للعلم. (12) رابند رافات تاجور
حاولت أن أجد بين الأحياء صورة تماثل هذا الفيلسوف العظيم والشاعر العبقري فلم أوفق، فشحذت الذاكرة وأرهفت اليراع واستنجدت بطيف الشعر، فهمس بعد قليل في أذني: عبثا تؤمل أن تظفر بأمنيتك بين الأحياء ودونك صورة صادقة خلدها الفن؛ وهي تمثال موسى عليه السلام من صنع المثال العظيم ميكيل أنج.
إن كانت عندك أيها القارئ هذه الصورة في دائرة معارف أو كتاب في الفن، فافتح كتابك وتأمل معي فيها وانظر إلى الهيبة والعظمة اللتين يملكان عليك مشاعرك، والعين البراقة والنظرة الحادة المهيبة التي تملي عليك إرادتها دون أن تمتعض أو تستنكف أو يأخذك الزهو والكبرياء، وشعره المتدلي على أكتافه ولحيته البيضاء المسترسلة إلى صدره كلبد الضياغم.
شاهدته حينما زار مصر بالمصادفة في الطريق وهو راكب عربة، وقد وقع نظره علي دون قصد، فراعتني تلك الطلعة المهيبة والجلال النادر وتلك النظرات الحادة، وقد خيل إلي أنها اخترمت أحشائي ووصلت إلى سويداء قلبي، فقرأت ما خط فيه من سر مكنون، وقد تضاءلت أمامي وقتئذ جميع الشخصيات البارزة، وأيقنت بعدما قرأت نحو خمسة عشر مجلدا من مؤلفاته التي ترجمت إلى الفرنسية أنه عطارد الشعر الذي لا يدرك له غبار، ولا يجاريه فيه مجار.
ومن مزاياه النادرة التي لم يبلغ شأوها غيره من الشعراء الأقدمين والمعاصرين: الرقة الفتانة، والرشاقة النادرة الساحرة، وسلامة الذوق المتناهية، والعواطف المتأججة، والمعاني العظيمة العميقة التي جمعت بين الشعر والفلسفة فزادت قوة على قوة، وقريضه الخالي من التكلف والذي لا يشاهد فيه أثر للصناعة والإجهاد.
وحينما ترجم ديوانه «بستاني الحب» إلى الفرنسية وظهر في عالم المطبوعات أخذت منه نسخة ولم أتمكن من قراءتها في أول يوم، وفي الغد انتابني مغص الكليتين واشتد علي حتى جعلني أئن وأتلوى كالطير المذبوح، ولما سكنت قليلا شدة الألم أخذت هذا الديوان وأنا راقد، ولم آت على آخر القصيدة الثانية حتى انتقلت إلى عالم آخر ونسيت الألم وتفتحت عيناي واشتدت عضلات جفوني بعد ارتخائها، وتنبهت أعصابي بعد خمودها، ولهوت عن كل شيء، ولم أقطع هذه اللذة النادرة التي سكنت آلامي بشيء آخر من طعام أو شراب أو دواء، وما غربت الشمس حتى أتممت قراءة ما بين دفتي الديوان وأنا مدثر في فراشي.
إذا أمعنا النظر في شعر كبير وهو أحد زعماء الصوفية في الهند في القرن الخامس عشر وجدنا بينه وبين شعر تاجور شبها كبيرا؛ إذ كلاهما يبحث عن الخالق ويتغزل فيه، وهذا ما يدلنا على تأثر تاجور من كبير، ولكن الفرق بينهما أن تاجور أرقى بكثير من كبير، وقصائده أطول، ومعانيه أعمق وأفخم، وإتماما للفائدة نسرد كلمة عن كبير وبعض مقطوعات من نظمه لنقارن بينها وبين شعر تاجور.
وقد نقل تاجور شعر كبير من البنغالية إلى الإنجليزية بنفسه، وهذا مما يدل على ولعه بقريض هذا الشاعر وإعجابه به.
ولد كبير من أبوين مسلمين بمدينة بيناريس حوالي سنة 1440، وانضم منذ صغره إلى تلاميذ الناسك الهندوكي الشهير رامانندا، وكان هذا الأخير متبحرا في العلوم الدينية وعاش في عصر تأثر فيه الشعر الوجداني والفلسفة العميقة بكبار الصوفية من الفرس تأثرا عظيما في الفكرة الدينية بالهند، وقد أمل أن يوفق بين التصوف الإسلامي والبرهمي المتواتر.
Página desconocida