العدد: 2130
10 يناير 1976
أتصور أنه في عهد عبادة الأصنام كان هناك فريق من الناس لا عمل له إلا أن يجلس بجوار هبل وغيره من الأصنام، يرفع عقيرته بمعجزات الصنم وما يناله قصاده من خير على يديه، داعيا الناس أن يزيدوا من الأموال التي يقدمونها للتمثال، مؤكدا أنهم كلما زادوا مالا زادهم خيرا ومعجزات ومنجزات.
وأتصور أنه حين أشرق النور وتهاوى الصنم - لأن الأصنام لا تعيش في النور - أتصور أنه بقي من الصنم قاعدة، وهذا الفريق الذي كان يعيش على النصب، والأكاذيب، والادعاء الباطل، والشعار الزائف، والاحتيال المقيت، ويجد هذا الفريق نفسه بلا مورد يعيش عليه، ولا ناس يحتال عليهم إلا قلة قليلة لا ترى إلا في الظلام، ولا تحيا إلا في السراديب، ولا تتنفس إلا العفن، ولا تأكل إلا لحم البشر، ولا تشرب إلا الدماء الآدمية.
ويدور فريق الصنم المنهار حول القاعدة المهيضة المحطمة، يطلقون المباخر ويرفعون العقائر، ويستجدون النفع الذي زال عنهم، فهذه القاعدة هي كل ما بقي منهم، وبغيرها لا حياة لهم؛ لأن حياتهم قامت أول ما قامت على هذا البهتان، ولو كانوا يملكون صنعة غير طبولهم ومزاميرهم التي كانوا يدقونها وينفخونها هتافا للصنم، وأصبحوا يدقونها وينفخون فيها نواحا عليه، لذهبوا إلى صنعتهم تلك ونسوا ما كان من أمر الصنم والقاعدة، ولكن من أين وهم عجزة إلا عن الهتاف، جهلة إلا عن الاحتيال، أغبياء إلا عن السلب والزور والغش والسرقة؟
ولكل فترة زمن صنم يقيمه الناس من الدماء، ثم لا يلبث الناس أن يتبينوا مقدار ما امتص الصنم من كيانهم، ولهذا فلا بد لكل صنم أن يسقط وينهار، ولا بأس أن تبقى القاعدة حينا يلف حولها هذا الفريق من نفاية البشر، ويمر الزمن بالنور فتمحى القاعدة كما امحى الصنم، وتصبح النفاية عدما من العدم ولا يبقى إلا الإشراق والنور والضياء، فإنه يمكث في الأرض وفي السماء.
... وفي أي شيء صدق؟!
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: 2135
14 فبراير 1975
Página desconocida