El Sello de los Santos de Hakim Tirmidhi
ختم الأولياء للحكيم الترمذي
Géneros
ثم لم يجد (أبو بكر، رضي الله عنه) مهلة حتى يبوأ الإسلام، ويمهد ويصفي، ويوضح السنن، ويمصر الأمصار. ففعل ذلك عمر، رضي الله عنه، حتى ورد الخلق بعدها على أوسع منهاج وأوضحه. فهذا عمل ليس لأحد وصول إلى مثله ولا سبيل. لأنه لم يكن للإسلام، إلى يومنا هذا، ردة أو عزبة كما كان بديا في وقتهما. ألا ترى أنه لم يجيء في الخبر أنه وزن غيرهما؟ أفلم يكن في الأمة مثل عثمان وعلي، رضي الله عنهما؟ فهل ذكر أنهما وزنا مع الأمة؟ وذلك ليعلم أنهما وجدا أمرا مفروغا منه، فلم يبق لعثمان وعلي إلا التمسك به. فجميع من (أتى) بعد أبي بكر وعمر على حياله: كل متمسك بقدره.
ألا ترى في تلك الفتن، إذا قام أحد بالعدل وطمس الجور يلحقهما بالفضل؟ وكذلك قال أنس رضي الله عنه: ((ليس لعامل زمان خير عن زمانكم إلا أن يكون مع نبي)) فهذا في وقت غربة الحق أفضل. وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((طوبى للغرباء! قيل ومن هم؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس)).
فأما تفاضل اليقين ووصول القلب إلى الله تعالى، فغير مدفوع أن يكون لمن بعدهما مثلهما أو أكثر منهما. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أن أهل الغرف ليرون في أعلى الدرجات كما يرى الكوكب الدري في الأفق، وأن أبا بكر وعمر منهم)). أفليس قد صيرهما من أهل الغرف؟ وأهل الغرف هم أهل عليين، فهم المقربون. وقد وصفهم الله تعالى في تنزيله، فقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الآية. فهل أخبر في الكتاب أو في الخبر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ((أهل الغرف)) كانوا في أوائل الأمة أو في أواخرها؟ فإنما وصف أهل الغرف بما يعقل من ظواهر أمورهم، وإنما نالوها بما في باطنهم، ألا ترى أنه قال: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} فإنما يصبر على هذه الأخلاق والآداب والهيبة، من ملأ الله قلبه معرفة به وشرح صدره بنوره وأحيا قلبه به. -والصبر: الدوام والثبات على الشيء- فهل يكون ذلك إلا لمن يكون باطنه مشحونا بما ذكرناه؟
ومما روي عن وهب بن منبه، رحمه الله، أن الملك الذي كلم عزيرا، قال له عزير: إن الله تعالى كلل حكمه بالعقل وجعله له زينة ونظاما. فليس لزمان عنده فضيلة، ولا لقوم عنده أثرة. إنما فضيلته وأثرته لأهل طاعته، حيث كانوا ومن كانوا ومن أين كانوا)).
Página 89