El Sello de los Santos de Hakim Tirmidhi
ختم الأولياء للحكيم الترمذي
Géneros
وقد كان سبق من الله تعالى لهذه الأمة من اليقين حظ وافر. فتقووا على قتال المشركين، حمية لله تعالى لا لنصيب النفس. ولذلك قال (عليه الصلاة والسلام): ((نبي الحرب والملحة))، و((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فقاتلت هذه الأمة على إقامة هذه الكلمة العليا: ((لا إله إلا الله))! لحب الله. ثم حبب إليهم الإيمان، فبفيضان المحبة غاروا له، وعملت فيهم الغيرة، والحمية لله عز وجل. فقاتلوا عن الله تعالى، وسبوا من أعرض عنه، وغنموا أموالهم، وقتلوا عبيده الأباق وبنوا إسرائيل لم يقووا على هذا الأمر. ألا ترى أنهم قالوا: {وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}؟ فقاتلوا للديار والأموال. {فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أعطيت أمتي من اليقين ما لم تعط أمة)) وذلك قوله تعالى: {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله} الآية.
فإذا كان الرسول عليه السلام، محتاجا إلى التأديب والتهذيب والمدة، حتى يصلح لأمانة الله تعالى - فكيف بالأولياء؟ فمن أجل ذلك يحتاج الولي إلى مدة في جذبه، كما يحتاج المجتهد (إلى مدة) في صدقه. إلا أن هذا تصفيته لنفسه بجهده، وتصفية المجذوب يتولاه الله بأنواره فانظر كيف صنع الله بعبده، وصنع العبد بنفسه؟ أما ترى آدم، صلوات الله عليه، كيف فات الخلق وبرز عليهم بما تولاه الله من فطرته؟ وقال لسائر الخلق: كن فكان.
فالمجذوب يجذب في كل موطن في طريقه (إلى الله تعالى) ويخبر
ويعرف المواطن.
(الفصل الرابع والعشرون) (المجذوب)
قال له القائل: صف لنا شأن المجذوب، من مبتدأه إلى منتهاه إلى آخر صفته وخبره.
قال: نعم، إن شاء الله تعالى! اعلم أن المجذوب في مبدأ أمره (هو عبد) صحيح الفطرة، طيب التربة، عذب الماء، زكي الروح، صافي الذهن، عظيم الحظ من العقل، سليم الصدر من الآفات، لين الأخلاق، واسع الصدر، مصنوع له، أعني: محفوظا عليه. فإذا بلغ وقت الإنابة هداه (الله) ووفقه للخير، حتى إذا بلغ وقت كشف الفتح، فتح له. ثم أخذ بقلبه فمر به إلى العلاء، إلى المكان الذي رتب له بين يديه. ثم رجع به فصيره في قبضته. ثم جعل بينه وبين النفس حجابا، لئلا تشارك النفس القلب في عطاياه.
ووكل أحق بنفسه ليغذوها قليلا قليلا، بقدر ما تحتمله النفس من العطاء الذي يرد على القلب. و(هكذا) يؤدبه (الله) ويسير به إلى المحل الذي رتب له بين يديه.
فقلب (المجذوب لا يزال بديا) مسجونا في القبضة (الإلهية) لا يقدر أن يصل إلى محله من الله تعالى من أجل أن النفس مشحونة بعجائب الأنوار. والنفس يسار بها قليلا قليلا، برفق حتى لا تعجز وتعيا. فيرد عليها من النور على قدر احتمالها من العطاء. ففي أول ما يرد عليها من العطاء ما يسكرها عن شهوات الدنيا. ثم بعد ذلك، يرد عليها من العطاء ما يسكرها عن وجود حلاوة هذا العطاء. ثم بعد ذلك، يرد عليها ما يسكرها عن وجود حلاوة القربة. ثم توصل إلى مكان القربة. فتتغذى هناك وتؤدب مع القلب جميعا. ويؤيدها الحق: فيورد عليها الأنوار، أنوار الملك حتى يقومها ويؤدبها ويطهرها!
Página 74