ركود
استفزاز
رعونة
قتل
خاتمة المطاف
خاتمة المطاف
تأليف
علي الجارم
خوف
لم تشهد مدينة الفسطاط منذ أن دق عمرو بن العاص بها أطنابه كهذين الفارسين، وقد التفا بعباءتيهما السوداوين فزادا ظلمة الليل البهيم وحشة وإرهابا، وخطا بهما جوادهما في حذر وخشية، فلم يكن يتردد من أنفاسهما إلا ما يتردد من همسات النسيم الوادع يهز أطراف الغصون. اخترق الفارسان خضم الظلام كأنهما شبحان من أشباح الظلام، لا تكاد تحس لهما حركة أو تسمع ركزا، أو كأنهما تمثالان من صنع الفراعين الأولين سرت إليهما روح خافتة خامدة فبقيا على ما عهد فيهما من جمود إلا ما كان من يد تقبض على العنان، ورجل تثبت في الركاب. صمت وإطراق مخيفان حقا، وليل وهدوء مخيفان حقا، والهدوء في ذاته رفيق بالنفس، حبيب إليها، ولكنه إذا اقترن بالظلام كان مخيفا، وكان مبعثا للهواجس ومثارا للخيال الجامح الذي يخلق ما شاء من صور، ويبتدع ما أراد من تهاويل. وخير لك ألف مرة إذا لفك الليل في مكان موحش أن تسمع حولك صخبا وضوضاء من أن تسمع هدوءا وصمتا، إذا صح أن الهدوء والصمت يسمعان؛ ذلك لأن الهدوء مظنة المفاجأة والاغتيال، وهل قتل الصيد إلا ذلك الهدوء الذي يتصنعه الصائد لينقض؟ وهل فتك القاتل بفريسته إلا بعد أن خدعها بجو من السكون الشامل؟ وهل يسرت الفطرة للحيوانات الضارية سبيل الفتك إلا بتلك الأقدام اللينة التي لا تحس إذا مست الثرى؟
Página desconocida