مجوسية الفرس، ووثنية الهندوس، وظلم الطبقات، ثم كان من وراء ذلك عبادة الأفلاك والنجوم والأرواح فى الصين.
كان العالم إذن يموج بفساد الفكر، وفساد العمل، واضطراب الحكم، وانقطاع الصلة بين الحاكم والمحكوم، وسيطرة الأقوياء على الضعفاء، وقد اشتد الطغيان.
وثنية اليونان والرومان:
١٥- وبجوار تلك كانت أوروبا تعيش فى ظلمات الوثنية، وكان غربها من الوندال والسكسون قبل المسيح يعيشون فى جاهلية عمياء، لم يكن فيها هاد ولا مرشد، كما تعيش بعض القبائل فى مجاهل أفريقية، ولا فرق بينهم إلا فى اللون، فأولئك بيض وهؤلاء سود ولكن الفعل واحد، والوحشية متقاربة، ولعل البيض أغلظ أكبادا، وأقسى قلوبا.
١٦- ولما جاءت المسيحية جاءت إليهم بعد أن شاهت، واعتراها التغيير والتبديل، وذلك لأن الفلسفتين اليونانية والرومانية من بعدها عجزتا عن إصلاح الأخلاق، وبث الاطمئنان فى القلوب، والرضا فى النفوس، فكان لابد من دين يقود العقل إلى ما فيه خير العباد.
وقد فقدت الأوثان قوة تأثيرها فى الجماعات، إذ أن الفلسفة قد أيقظت العقول، وإن لم تهدها، وحركت الأفهام ودفعتها إلى التفكير، وإن لم تهدها إلى الصراط السوى الذى يسلكه من يستضيء بنورها واحدها، فكان لابد من دين بجوارها، وخصوصا أن المدائن الرومانية لم يكن فيها التناسق الاجتماعى الذى يجعل كل إنسان يرضى بما قسم له من حظ.
إن التاريخ يحكى أن توزيع الثروة فى الدولة الرومانية لم يتحقق فيه العدل الاجتماعي، فبينما ترى الترف فيمن أفاءت عليهم الدولة بالغنائم والأسلاب من الفتوح الرومانية ترى ألوف الألوف من الناس قد حرموا ما يتبلغون به فى حياتهم، فاستولى عليهم الإحساس بالظلم، والناس لا يشقون بالام ذاتية وحرمان ذاتى بمقدار ما يشقون لسعادة غيرهم التى امتنعت عليهم، وكذلك كانت الالام فى سواد الرومان، ولولا بقايا من الصبر عندهم لانفجروا فى ثورات ما حقة لا تبقى ولا تذر.
مزج الفلسفة بالدين:
١٧- وفى هذا الوقت أرادوا أن يمزجوا الفلسفة بالدين أو يحلوا الفلسفة محل الدين، إذ أخذت التماثيل تفقد قوتها، ولم يعد لها سلطان فى التأثير فى نفوس الشعوب، وفقدت معابد الأوثان ما كان لها من روعة، ولقد كان يعتور النفس الرومانية حينئذ عاملان قويان كلاهما فيه شدة وبأس، فشعورهم بالبأساء
1 / 21