46

Peligros del alma

خطرات نفس

Géneros

لقد أفنى الدهر صاحب الصورة الأولى، فاستحال إلى ترابا، وستنسى يوما ما من النفوس ذكراه.

ولقد حول الدهر بعد عشر سنين صاحب الصورة الأخرى من حال إلى حال. فحط على الجبين خطوطا لم تكن عليها من قبل، ورسم على تلك الخدود ثنيات. وأنضب من ذلك المحيى ينبوعا من ينابيع البسمات. وأبدل سلوكا من الشعر الذهبي بسلوك من الفضة. وأسكن ذلك الرأس فكرا ومشاغل لم تكن لتسكن ذلك الرأس الجميل في الصبا. وأسكن ذلك الفؤاد الطيب آلاما ما أشدها على ذلك الفؤاد الحساس. وأزال من ذلك القد المياس نشاطا وخفة، ما أحوج الجسوم إليها في سبيل الحياة. •••

تذكرت ما أحدثه الزمن في الشخصين، فكررت النظر في الصورتين، ولكنهما على ما كانتا عليه من نيف وعشر سنين!.

ما زال رسم البسمات على تلك الشفاه باديا، وما زالت الأعين فيهما لا تغمض عن مرأى هذا الوجود!

عندئذ تخيلت الزمن ضعيفا بنفسه، لا يقوى على سرعة تغيير الجماد، عندئذ ذكرت أن أقرب ما تصل إليه يد الزمن هي الحياة والأحياء والنفس ومن بالنفس ومظاهرها يعيشون.

عندئذ حقرت الزمن لضعفه أمام المادة.

وعندئذ أكبرت الزمن لقوته وقدرته على الأرواح والنفوس.

عندئذ استقسيت الزمن لتحويله الصدح ندبا، ولتحويله البسمات دموعا وأنات، ولتحويله النشاط وهنا، والوهن فناء.

عندئذ حمدت الزمن، فقد يحدث الآلام، وقد ينسى الآلام. •••

أصغرت شأن الزمن، وأكبرته، واستقسيته وشكرته. وكانت تلك العواطف والأحكام المتناقضة تترع نفسي، وتفور في رأسي، فتدفعني إلى نزعات ونزوات، وتطوف علي بخيالات حتى رغبت في أن أتخلص من تذكر الزمن، وشرعت في أن أخرج ولو برهة صغيرة عن سلطانه الحقير الكبير، القاسي المشكور. فخطر ببالي أن أرتدي ملابسي، وأخرج ليلا وأعين الناس غافلة؛ لأقصد على غير ما ألفت دارا من تلك الدور، وهناك أشرب وأطرب، وألهو وألعب. فالسنون تطوى ونحن عن حياتنا غافلون، والعمر يتقدم، ونحن عن أنفسنا ساهون.

Página desconocida