الليل ويصوم النهار، وأراد بعض أصحابه أنْ يتبتَّل (١) فنهاهم عن ذلك (٢)، وعزموا على الوصال في رمضان كما كان يُواصِل فنهاهم خوفًا عليهم أن يُفرَض عليهم فيعجز منهم من يعجز منهم عنه (٣)، وكان كثيرًا ما يعمل العمل والأشياء من النوافل وقتًا دون وقتٍ خوفًا أن يتبعه أصحابُه فيُفرَض عليهم، وخلائق من لايُحصى من أمَّته كان يصلِّي الصبح بوضوء العشاء ويَسرُد الصَّومَ في ضمن ما يعملون من الجهاد وغيره مما يطول شرحه وهو واضح ظاهر، وقوله: ﴿الْحَامِدُونَ﴾ [التوبة: من الآية ١١٢] فقد كان محمد ﷺ أعظم النَّاس [ق ١١/ظ] حمدًا لربِّه سبحانه، وأنزل الله فاتحة الكتاب المفتتحة
بالحمد لله التي لم تُنزل على أحد من الأنبياء قبله المتضمّنةِ لحقوق الله تعالى ومطالب العبد كما في الحديث «قسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي ...» (الحديث) (٤) (٥)، فجعل الله
_________
(١) التبتل: الانقطاع عن النساء وترك النكاح. النهاية في غريب الأثر (١/ ٢٢٨).
(٢) أخرج مسلم في صحيحه (٢/ ١٠٢٠)، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، ح ١٤٠١، عن أنس ﵁: "أن نفرًا من أصحاب النبي ﷺ سألوا أزواج النبي ﷺ عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكنى أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
(٣) أخرج البخاري في صحيحه (٣/ ٢٩)، كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب، ح ١٩٢٢: عن عبدالله بن عمر ﵁: "أن النبي ﷺ واصل، فواصل الناس، فشق عليهم فناهم، قالوا: إنك تواصل، قال: «لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأسقى»؛ وأخرجه مسلم (٢/ ٧٧٤)، بنحوه في كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، ح ١١٠٢.
(٤) لفظ "الحديث" ليس في ب.
(٥) أخرجه مسلم (١/ ٢٩٦)، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يُحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، ح ٣٩٥، من طريق أبي هريرة ﵁، بلفظ: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] قال الله تعالى: حمدني عبدي ...» الحديث؛ وأخرجه النسائي في السنن الصغرى (٢/ ١٣٥)، كتاب الافتتاح، باب ترك قراءة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] في فاتحة الكتاب، ح ٩٠٩، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية ١٤٠٦، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، بلفظ: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل» قال رسول الله ﷺ: «اقراءوا يقول العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]، يقول الله ﷿: حمدني عبدي ...» الحديث؛ وأخرجه أبو داود (١/ ٢٦١)، بلفظ النسائي في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، ح ٨٦١؛ وأخرجه الترمذي (٥/ ٢٠١)، بنحوه في أبواب تفسير القرآن، باب: ومن سورة فاتحة الكتاب، ح ٢٩٥٣؛ وأخرجه ابن ماجه، بنحوه في كتاب الأدب، باب ثواب القرآن، ح ٣٧٨٤.
1 / 355