محمد ﷺ ماهو شبيه بذلك، وهو أنَّ البراء بن مالك ﵁ لمَّا كانت وقعة مسيلمة وتحصَّنوا وأغلقوا باب الحصن، قال البراء لأصحابه: ضعوني على تُرسٍ واحملوني على رؤوس الرِّماح ثم ألقوني من أعلاها إلى داخل الحصن ففعلوا فوقع وقام فقاتل المشركين وقتل عشرةً أو أكثر وفتح الباب للمسلمين وكان سبب الفتح وقَتْل عدوِّ الله مسيلمة (١)؛ ونظير ذلك ما فعَل طُلَيحة بن خويلد لما خرج في أصحابه لغزو الروم في البحر فلقيهم العدو في سفينة فقال طُلَيحة لأصحابه: اقذفوني في سفينتهم، ففعلوا فغشيهم بسيفه حتى تطايروا (٢) فرقًا منه فغرق من غرق واستسلم [ق ٨/ظ] من استسلم فبلغ ذلك عمر ﵁ فأعجبه (٣) وإبراهيم ﵊ أُلقي في المنجنيق مُكرهًا، وهذان بذلا أنفسهما وطلبا ذلك واختاراه ففعلاه وهي فضيلة لنبينا ﷺ إذ (٤) كان في أمته مثل ذلك.
وأما كرم إبراهيم ﵊ وإقراؤه للضيف وأنه كان يخرج المسافة يبتغي من يأكل معه حتى قيل له: أبو الضِيفان، فقد كان نبينا ﷺ من ذلك بالمنزلة التي لاتجهل فإنه كان يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة فيهب المائة من الإبل، وأعطى رجلًا غنمًا بين جبلين، وما سأله أحد شيئًا فقال: لا (٥)، ولقد أتاه مرةً ضيف فأرسل إلى
_________
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٤٤)، كتاب السير، باب من تبرع بالتعرض للقتل رجاء إحدى الحسنين، ح ١٨٣٧٩، الطبعة الأولى ١٣٤٤، مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد، من طريق السري بن يحيى عن محمد بن سيرين، بفلظ: "أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أُغلق بابه، فيه رجال من المشركين، فجلس البراء بن مالك ﵁ على ترس، فقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فرفعوه برماحهم، فألقوه من وراء الحائط، فأدركوه قد قتل منهم عشرة"؛ وابن كثير بنحوه في البداية والنهاية (٦/ ٣٠٠)، وابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (١/ ٢٧٩ - ٢٨٠)، تحقيق: علي البجاوي، الطبعة الأولى ١٤١٢، دار الجيل، بيروت؛ وابن حبان في الثقات (٢/ ١٧٤ - ١٧٥).
(٢) في ب "تطايرا".
(٣) أخرجه ابن قدامة بنحوه في كتابه التوابين ص ١٣٤، تحقيق: عبدالقادر الأرناؤوط، ١٤٠٣، دار الكتب العلمية، بيروت.
(٤) في ب "إذا".
(٥) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل (٤/ ١٨٠٦)، باب ما سئل رسول الله ﷺ شيئًا قط فقال لا وكثرة عطائه، ح ٢٣١٢، من طريق موسى بن أنس عن أبيه، بفلظ: "ما سُئل رسول الله ﷺ على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة".
1 / 345