تَجمَّل (١)، وأعظم الخلق عند الله تعالى منزلة وأفخم وأنبل، ﷺ وكرَّم وعظم وبجَّل، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وزاد وأفضل.
أما بعد: فلله سبحانه في خلقه وأمره أسرار، وفي قدرته ومشيئته وتدبيره أمور كبار، لاتدركها الأبصار ولاتحيط بكُنهها الأفكار، قال [الله] (٢) ﷾: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: من الآية ٦٨].
لما خلق الله تعالى الخلق قسَمه قسمين: جمادًا وذا حياة، فاختار ذا الحياة على الجماد وفضَّله عليه، ثم قسم [ق ١/ظ] ذا الحياة قسمين: حيوانًا ونباتًا، فاختار الحيوان على النبات وفضَّله عليه، ثم قسم الحيوان [إلى] (٣) قسمين: ناطقًا وصامتًا،
فاختار النَّاطق على الصَّامت وفضَّله عليه، ثم قسم الناطق قسمين: آدميًّا وغيره، فاختار الآدميَّ على غيره وفضَّله عليه، ثم قسم الآدمي قسمين: عاقلًا وغير عاقل،
_________
= أي: بالله ﷿ كما الضمير في قوله: "وأشهد أن محمدًا عبده المرسل ونبيه المفضل"؛ وعلى تقدير تشكيلها بالضم "تُوسِّل به" لعل قصده بمحبته والاقتداء بسنته ﷺ التي هي من العمل الصالح، وإذا كان من القواعد المقررة في الشريعة إحسان الظن بالمسلمين، فكيف وهذا المسلم إمام من أئمة أهل السنة والجماعة؟ ! فإن إحسان الظن في حقة آكد، لاسيما وقد تقدم كلام له فيه اعتدال ومجانبة طرفي الغلوِّ والجفاء، ومن ذلك: ما تقدم من كلامه في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وأن خلاف السلف في تأريخ ميلاده من أي شهر وفيما مضى منه يدل على أنهم لم يكونوا يجعلون ذلك موسمًا للاجتماع والولائم والاحتفال في صُنع الأطعمة والأشربة والسماعات إذ السلف كانوا أعظم الناس توقيرًا ومحبة وتعظيمًا للنبي ﷺ وأحرص الخلق على نشر محاسنه فلو كان يوم مولده عندهم موسمًا لتوفّرت هِمَمُهم على حفظه ولم يكن عندهم ولا عند غيرهم فيه خلافٌ؛ كما تقدم أيضًا: رده على تقي الدين السبكي في مسألة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي ﷺ دون الصلاة في مسجده؛ كما تقدم أيضًا: في مخطوطته (منامات رؤيت لشيخ الإسلام ابن تيمية) الإنكار على بعض الفقراء التوسل بغير الله من المخلوقين؛ والأصل أن نحمل كلام الأئمة على أحسن الوجوه ما وجدنا لذلك محملًا، متبعين في ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: من الآية ١٠] وحمل كلامهم على أحسن المحامل داخل في الاستغفار لهم، والله أعلم.
(١) في ب "تحمل" بالحاء المهملة، وفي الهامش "تكاليف الله وطاعاته".
(٢) لفظ "الله" زيادة من ب.
(٣) "إلى" زيادة من ب.
1 / 319