Mapa del conocimiento
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Géneros
جورج سارتون، «العلم القديم والمدنية الحديثة»
بحلول عام 500 ميلادية، كانت الكنيسة اليونانية قد زجت بمعظم رجال العصر الموهوبين إلى خدمتها، إما في نشاط تبشيري أو تنظيمي أو عقائدي، أو نشاط تأملي خالص.
إدوارد جرانت، «العلم المادي في العصور الوسطى»
لو قدر لك أن تلقي نظرة على عالم البحر المتوسط في عام 500 ميلادية، ماذا كنت سترى؟ كنت سترى ملكا قوطيا شرقيا على عرشه في روما ، يبذل أقصى ما في وسعه ليظهر بمظهر الإمبراطور. كنت سترى إمبراطورا في القسطنطينية، يصنع من جديد أمجاد روما الإمبراطورية على شواطئ البوسفور، وبعيدا في الجنوب، في مهد الحضارة نفسه، كنت سترى شاهنشاه فارسيا، يخطط لخطوته التالية في الحرب التي لا تنتهي على حدوده الشمالية. كنت سترى عالما طابعه التغيير، عالما حافلا بالارتباك، عالما كانت تنكمش فيه المدن، وتحرق المكتبات ولم يعد فيه من الأمور ما هو يقيني سوى النذر اليسير على ما يبدو.
لم تكن هذه الظروف مواتية فيما يتعلق بالحفاظ على النصوص أو السعي وراء المعرفة؛ فكلا الأمرين يتطلب استقرارا سياسيا واهتماما فرديا وتمويلا ثابتا من أجل أن يزدهر؛ وكل هذه الأمور كانت نادرة في عام 500 ميلادية، ومع ذلك، صمدت جيوب صغيرة للمعرفة وحفظت كتب كثيرة. لقد ورثنا ثروات عظيمة من أسلافنا القدامى، ولكن الحقيقة هي أن قطاعات عريضة من الثقافات القديمة ضاعت في الرحلة الطويلة إلى القرن الحادي والعشرين؛ فلم ينج إلا جزء يسير؛ سبع مسرحيات من ثمانين مسرحية كتبها إسخيلوس، وسبع مسرحيات من مائة وعشرين مسرحية كتبها سوفوكليس، وثماني عشرة مسرحية من اثنتين وتسعين مسرحية كتبها يوربيديس. واختفى العديد من الكتاب الآخرين تماما، واختزل ذكرهم إلى إشارات عابرة كالطيف في أعمال أخرى. في أواخر القرن الخامس، جمع رجل يدعى ستوبايوس كما ضخما من المختارات الأدبية بلغ 1430 اقتباسا شعريا ونثريا، منها 315 اقتباسا فقط من أعمال لا تزال باقية؛ أما باقي الأعمال فمفقود. أما بالنسبة إلى العلم، فكان أفضل حالا بقليل، ورغم ذلك فإن أعمالا مهمة مثل كتاب جالينوس «عن البرهنة»، وكتاب ثاوفرسطس «عن المناجم»، وبحث أرسطرخس عن نظرية مركزية الشمس (الذي ربما كان سيغير مسار علم الفلك تغييرا جذريا لو ظل باقيا) قد ضاعت كلها عبر الزمن. النصوص التي نجت من الضياع، ومنها أطروحة «العناصر» لإقليدس، وكتاب «المجسطي» لبطليموس ومجموعة كتابات جالينوس، هي نتاج آلاف من السنين من المعرفة المتراكمة. نقحت الأفكار التي احتوتها بواسطة عقول أجيال من الكتبة والمترجمين، ونقلت وبسطت على يد علماء حاذقين في العالم العربي محيت أسماؤهم تدريجيا، في أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة، من سجل التاريخ.
ثمة محاولات كانت تبذل في بعض الأحيان لاسترداد الكتب، ورغم أن ذلك كان في أزمنة قديمة، كان الناس على دراية بخطر أنه يمكن ببساطة للمعرفة أن تختفي. وحسب ما أورده سويتونيوس، فإن الإمبراطور دوميتيان (51-96) «كابد متاعب جمة ونفقات كثيرة في عملية إعادة تزويد المكتبات المحترقة بالكتب، والتفتيش في كل مكان عن المجلدات المفقودة، وإرسال كتبة إلى الإسكندرية لنسخها وتصحيحها.»
1
المخطوطات الوحيدة الباقية التي صيغت فعلا في العالم القديم (قبل عام 500 ميلادية تقريبا) هي أجزاء صغيرة من أوراق البردي عثر عليها في مكب للنفايات في مصر وبعض اللفائف من «فيلا البرديات» في مدينة هيركولانيوم.
1
كل شيء آخر هو مخطوطة مستنسخة صنعت في مرحلة أو أخرى في القرون الفاصلة. كان إنتاج الكتب صناعة مزدهرة في العالم القديم، وصاحب ذلك أسواق ومتاجر متخصصة في بلدات ومدن مختلفة في أرجاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، إذن لماذا لم يبق من ذلك إلا أشياء مادية قليلة؟ حتى القرن الرابع، لم تكن الكتب كتبا بالشكل الذي نعرفه، وإنما لفائف مكتوبة على ورق البردي، الذي كان يصنع من نباتات بوص كانت تنمو في دلتا النيل. كان طولها في المعتاد نحو ثلاثة أمتار؛ لذا، حتى تقرأ إحدى تلك اللفائف، كنت بحاجة إلى أن تحلها من أحد طرفيها ثم تطويها مجددا من الطرف الآخر، مستخدما عصيا خشبية خاصة. كان الطي والبسط المستمر يجعل البردي هشا وعرضة للتمزق؛ لذا احتاجت النصوص إلى إعادة نسخها على لفائف جديدة مرات كثيرة. وكما سنرى، بحلول الوقت الذي صار فيه مجلد المخطوطات الأكثر متانة (المصنوع من الجلد الرقيق والخشب) سائدا، كان العالم قد تغير ولم يعد كثير من الناس يصنعون أو يبيعون أو حتى يقرءون الكتب. وبحلول عام 500 ميلادية، كانت الإمبراطورية الرومانية قد انهارت في أوروبا الغربية، وتقلصت قوتها في الشرق بشدة. كانت ثقافة العالم القديم الوثني المفعمة بالنشاط آخذة في الاختفاء في ظلال قوة جديدة هي الكنيسة المسيحية. وعلى مدى الألفية التالية، سيطر الدين على عالم الكتب والمعرفة في الغرب، بينما وجد العلم ملاذا جديدا في الشرق الأوسط.
Página desconocida