Mapa del conocimiento
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Géneros
استمر روجر الثاني في انتهاج كثير من سياسات والده. فكان متسامحا مع العقائد الأخرى ونصب نفسه حامي كل البشر الذين حكمهم. كان شغله الشاغل هو إبقاء سيطرته على مملكته وضمان السلام والاستقرار حيثما أمكن. وكان ذلك صراعا مستمرا. لم ينعكس المناخ المتفتح الذي ساد في البلاط على الحقول والقرى والبلدات الريفية الصغيرة، حيث كان يندر اندماج الناس اندماجا جيدا. ففي المناطق القروية من صقلية، عاش المسيحيون والمسلمون منفصلين تماما، في مناطق ومستوطنات مختلفة، وهو ما عزز حالة من عدم الارتياح والعداوة، التي عادة ما كانت تتحول إلى عنف. كانت الهجمات معتادة، وخاصة من قبل المستوطنين القادمين حديثا من البر الرئيسي، الذين كانوا حريصين على توسيع أراضيهم على حساب المجتمعات المحلية المسلمة. واستمر أمر إبقاء أمراء الحرب المحليين تحت السيطرة شاغلا رئيسيا لدى السلطات النورماندية. كان الأمر مختلفا تماما في عالم البلاط الرفيع المستوى، حيث كان مرحبا بأذكى العقول، بغض النظر عن العقيدة أو العرق، وحيث تبادل التجار من أنحاء العالم المعروف المعاملات التجارية واحتال بعضهم على بعض بكل لغة موجودة، ووصل الدبلوماسيون من بعيد لتعزيز مصالح بلدانهم. أما في المدن الكبرى، مثل باليرمو، فبالرغم من أن الجاليات كانت تميل إلى التجمع معا حسب العقيدة، والاستقرار في أحياء معينة، عاش الناس متقاربين حتى إن ذلك شجع إقامة علاقات ودية وتعاون متبادل.
كان روجر نفسه هو من أرسى هذا الانفتاح الثقافي. لا شك في أن الأمر كان، جزئيا، حلا براجماتيا للتحديات التي واجهها باعتباره زعيم نخبة أجنبية محدودة، يحكم سكانا شديدي التباين والتنوع، ولكن روجر كان مهتما اهتماما أصيلا أيضا بالثقافات الأخرى وراعى تقاليد رعاياه العرب المسلمين والبيزنطيين اليونان.
4
وحبه للعادات العربية هو حقيقة ثابتة تدعمها الشواهد. فقد كان يجلس في أبهته بين حاشيته تحت مظلة مرصعة بالجواهر، هدية من الخليفة الفاطمي، في حضور حاملي الرايات وحملة الدروع. وتوجد عباءة رائعة من حرير قرمزي باقية في متحف في فيينا. يزين هذه العباءة، التي صنعها حرفيون مسلمون نحو عام 1134 في ورشة الحرير التابعة للقصر، أسدان يهاجم كل واحد منهما جملا، على جانبي نخلة في المركز، وكل ذلك مطرز بخيط ذهبي مرصع بالعقيق والياقوت واللآلئ. وثمة نقش باللغة العربية، مخيط حول هدب العباءة، يوضح مكان وتاريخ صنعها.
5
كان بلاط روجر يشتهر بأنه ثلاثي اللغة؛ إذ كان يستخدم ألقابا يونانية ولاتينية وعربية، وعادة ما كان يوقع باسم «باسيليوس» بدلا من «ريكس»، داعيا نفسه «المدافع عن المسيحية»، من ناحية، و«القوي بنعمة الله» من ناحية أخرى.
8
كتب العلماء اليونانيون واللاتينيون والعرب الذين عينهم روجر وثائق رسمية باللغات الثلاث، ونقش أهمها بحبر من ذهب أو فضة على رق أرجواني فخم. لعبت أيضا اللغة العبرية دورا مهما؛ إذ شاركت جالية باليرمو اليهودية في الحياة السياسية والثقافية للمدينة. وقد عكس هذا التعدد في اللغات بصورة مباشرة تصميم روجر على ضرورة أن يشعر كل مواطني صقلية بأنهم موضع اهتمام وحماية، مع التأكيد في الوقت نفسه على قوة النظام الملكي وإضفاء الشرعية عليه.
جسد جورج الأنطاكي، الوزير الأول لدى روجر من سنة 1126 وما بعدها، هذا المزيج الثقافي. كان جورج يونانيا بدأ حياته العملية لدى السلطات البيزنطية في سوريا، وبعد ذلك انتقل إلى بلاط مدينة المهدية الإسلامية في تونس. وعندما وصل إلى صقلية، كان على دراية تامة بتقاليد ونظم حكم البلاطين البيزنطي والعربي؛ التي جلبها معه إلى منصبه الجديد. لعب جورج دورا أساسيا في برنامج روجر للتوسع في البناء، فكان يقدم اقتراحات فنية ويوفر الحرفيين والمواد من الشرق وشمال أفريقيا. بل إنه بنى كنيسته الخاصة، الكنيسة الكاتدرائية سانتا ماريا ديل أميراجليو. جسد هذا المبنى الجميل الخصائص الأساسية للطراز الصقلي الهجين الجديد؛ فهو مصمم اعتمادا على مخطط صليب يوناني، مع أقواس ومحاريب إسلامية ممزوجة بأقواس نورماندية، ومزخرف بإتقان من الداخل بقطع فسيفساء بيزنطية، كانت إحداها تصور تتويج روجر على يد المسيح نفسه. كان لروجر كنيسته الخاصة المسماة كابيلا بالاتينا المشيدة داخل القصر المهيب الذي «بناه بجهد مذهل ومهارة مدهشة من حجارة مربعة»، في باليرمو.
9
Página desconocida