فابتسم الشاب إليها - وإلى نوال بالتالي لأنها كانت لصقها - ثم قال موجها الخطاب لأحمد: كانت الليالي الثلاث الماضية شديدة الوطأة علي، اضطرب فيها نومي وتقطع، واشتد علي الألم، ولم يكف عني.
ولم يتم جملته، فأدرك أخوه أنه أمسك حذرا عن ذكر «السعال»، فأيقن في تلك اللحظة أن اصطحابهم أسرة كمال خليل - على ما فيه من سرور - كان خطأ كبيرا، ولكنه أراد أن يشجع الشاب فقال: على رأي تيزتك فهذا شأن المرض أول عهده، وستجتاز هذه الشدة بعون الله، وتخرج منها سالما.
ولكن رشدي قال بلهجة دلت على التوسل: أليس الأفضل أن أعود إلى بيتنا؟
ورأى أحمد أمه تهم بالموافقة على رغبته فبادر بقوله: سامحك الله! بل قل إنك لن تبرح حجرتك حتى تسترد صحتك وفتوتك، ثم تقفل إلى القاهرة مشيا على الأقدام! ومن حسن الحظ أني أراك متحسنا تحسنا محسوسا!
وقال كمال خليل يساهم في تلك الكذبة المفيدة: أجل يا رشدي أفندي أنت ... اليوم أحسن حالا بلا شك!
وحدت الأم بصرها لعلها تصدق ما يقولان، بينما راح أبوه يقول بصوته الهادئ المنكسر: الصبر ... الصبر يا رشدي، وربنا يرعاك ويأخذ بيدك!
فسكت رشدي، ولكن على رغمه، ولم يغب ذلك عن أخيه الذي يحسن فهمه، وكان يعلم أنه لا يقتنع بغير رأى نفسه، ولا يعمل إلا بمشورتها، فأيقن أنه إذا كره المصحة فلن يصبر عليها ولن تعود عليه إقامته فيها بنفع يذكر، وازداد حزنا على حزن، واسترعت انتباهه حركة آتية من السرير الآخر، فنظر إليه، ورأى زميل أخيه جالسا في فراشه، فتولاه الخجل - لأنه نسي - في غمرة حزنه - أن يحييه، فقال له وهو يرفع يده له بالتحية: كيف حالك يا أنيس أفندي؟ .. لا تؤاخذنا!
فضحك الشاب قائلا: العفو يا بك، الظاهر إن رشدي يرغب في هجرنا!
فقال رشدي متأسفا: لكم أزعجت نومك!
فقال الشاب مبتسما: لا داعي للأسف على ذلك، فسهر الليل لا يضايقني بتاتا.
Página desconocida