فأجابه سيد عارف: لعله مالك الحزين!
ونهض عباس شفة بشعره المنتفش كالشيطان فدارت الجوزة دورتها الثانية، ومحت القرقرة لغط الحديث، وأخذ أحمد أنفاسا أشد من المرة الأولى مستوصيا بشجاعة لا عهد له بها، وبرغبة قوية في الذهول، وقد أعجبته فلسفة سليمان عتة على مقته له، فحاول أن يعالج حزنه العميق الذي أورده هذا المكان الخانق على طريقته لعله أن يبرأ، لكنه تسلط عليه التخدير فثقلت جفونه واحمرت عيناه ومال عنقه قليلا، ثم ساوره خوف مفاجئ فأدنى رأسه من أذن المعلم نونو وسأله : ألا يخشى علينا من الشرطة؟ .. هب شرطيا تسلل إلى الباب وقال ملعون أبو الدنيا؟!
فضحك نونو وقال: نقول له ملعون أبوك!
وبعد انتهاء الدورة جلس عباس شفة جنب زوجه الهائلة مرة أخرى وتحركت الألسن من جديد.
فقال المعلم زفتة القهوجي وهو لا يمسك عن العمل: أبشركم يا إخواني بأن هتلر - حين يفتح الله له مصر - سيلغي أمر منع الحشيش ويمنع شرب الويسكي الإنجليزي!
فقال المعلم نونو: هتلر رجل حكيم ولا يداخلني شك أن الفضل الأول في مهارة خططه راجع للحشيش!
فسأله كمال خليل أفندي: وكيف أوصله إليه عباس شفة؟
فقال نونو بلهجة جدية: لا حاجة به إلى عباس شفة، فالمخزن رقم 13 ملآن بالحشيش النقي!
ثم هز المعلم رأسه كالآسف وقال بحسرة ظاهرة: ألم تسمعوا بما يقال من أن اليابانيين ينشرون المخدرات بين الأمم التي يغزونها!
فقال المعلم زفتة بنفس اللهجة: ليت الإنجليز كانوا حشاشين! - ضاعت خمسون عاما من الاحتلال هدرا!
Página desconocida