اتسعت العينان الغائمتان، ثم صاح: شرشارة؟! وكتاب الله هو شرشارة ولا أحد غيره!
وسرعان ما فتح الباب، وهرع إليه فاتحا ذراعيه في ترحيب ظاهر وخوف باطن فتعانقا، وصبر شرشارة حتى انتهى، ثم سأله: أين لهلوبة؟ ما له لم يجئ للدفاع عن حيه؟ - لهلوبة! - أين فتوتكم الجبان؟
شهق العجوز رافعا رأسه عن رقبة نحيلة معروقة، ثم قال: ألم تدر يا بني؟ لهلوبة مات من زمان!
صرخ شرشارة من أعماق صدره، وهو يترنح تحت ضربة مجهولة: لا! - هي الحقيقة يا بني.
بصوت أقوى وأفظع من الأول: لا .. لا يا مخرف!
قال العجوز وهو يتراجع خطوة في خوف: لكنه مات وشبع موتا.
تراخت ذراعاه، وتهدمت قامته، فعاد العجوز يقول: منذ خمسة أعوام أو أكثر.
آه! ما بال جميع الكائنات تختفي ولا يبقى إلا الغبار! - صدقني لقد مات، دعي إلى وليمة في بيت أخته، فأكل الكسكسي، ثم تسمم هو وكثيرون من أعوانه، ولم ينج منهم أحد.
آه! إنه يتنفس بصعوبة كأن الهواء استحال طوبا. وهو يغوص في أعماق الأرض ولا يدري ماذا بقي منه فوق سطحها. وحدج زهرة بنظرة ثقيلة خابية وتمتم: إذن مات لهلوبة؟ - وتفرقت البقية من أعوانه، إذ سهل على الناس طردهم. - لم يبق منهم أحد؟ - ولا واحد والحمد لله.
وصاح فجأة بصوت كالرعد: لهلوبة .. يا جبان .. لماذا مت يا جبان؟!
Página desconocida