ولكنها في عميق نفسها كانت هالعة أن تكون الصلة أكثر من ذلك، وأي مصيبة أعظم من أن يتزوج أسامة من ماجدة، إن أمها ... لا ... لا ... هذا لن يكون، وإن بذلت دمي.
7
كان الدكتور دري قد أوشك أن يترك العيادة حين قدمت إليه فريدة. - أونكل دري. - فريدة. - كعب رجلي يؤلمني. - وجئت وحدك. - هذه أول مرة أخرج فيها وحدي. - وكيف جئت. - أسامة لم يخرج اليوم، وأخذت سيارته. - وسهام، أقصد ماما سمحت لك؟ - ليست في البيت. - أين ذهبت؟ - ولماذا أعرف؟ - هل تحسنين قيادة السيارة في هذا الزحام؟ - ماذا جرى يا دكتور؟ أتراني طفلة أمامك، انظر جيدا إلى من تتكلم.
ونظر، ولم يكن من قبل قد نظر، إنها الشباب في زهوة نضرته، يطل منها عينان هما الجرأة، وهما الدعوة، وهما التحدي، وهما أيضا ذلك الحياء، الذي يزيد النار اشتعالا، وأنف يشير إليك أن صاحبته تريد أن تحب وتبحث عن حبها، وتريد أيضا أن تكون محبوبة ، أنف في طرفه نوع من الشموخ والكبر، وفي مداه تناسب مع وجنتين تعلوهما من قوة الشباب ضمرة، يعلو ذلك جميعا شعر ثائر كالشباب عربيد كأيامه يستعصي على الهدوء ويتناثر كأنه لوحة فنان حديث. - من أين هذا جميعه؟ - ألم تكن تعرفه؟ - أراه لأول مرة. - لأنك لم تفكر أن تراه. - والشباب ... زملاؤك ... أصدقاؤك، ألا يرون هذا الذي أرى؟ - يرون في أكثر مما أرى في نفسي. - ولكنهم لا يعجبونك. - فيهم غرور. - ولا تحبين الغرور. - قد أحبه لنفسي، ولكن لا أحبه لغيري. - ولماذا تظنين أنني لست مغرورا؟ - غرور مثلك معرفة بقدر النفس، وليس غرورا. - ستجعلينني مغرورا. - كن ما تريد، فأنت كما أنت أحلى شيء في الدنيا. - شيء. - عندي أنا ليس في العالم أحسن منك. - ولا سيارة كسيارة أسامة. - ولهذا قلت شيء، أنت أحسن شيء في الدنيا. - أصبحت مغرورا فعلا. - وما البأس؟ - هيا بنا. - إلى أين؟ - أرى كيف تقودين السيارة. - وهو كذلك.
8
قد أقبل أي شيء إلا أن يتزوج أسامة من هذه الماجدة، ألم يبق إلا كريمة الراقصة لتكون حماة أسامة، ويقول لها أولاده يا تيتا، ترى أي ألقاب الجدات ستفضلها كريمة تيتا، نينا، أنا، ستو؟ لا يهمني ليكن اللقب ما تريد، إنما لن يناديها بها أولاد أسامة، وإن بذلت حياتي.
قامت إلى التليفون. - دري؟ - كيف أنت يا سهام؟ - أريد أن أراك. - إننا سنلتقي غدا، أليس كذلك؟ - أريد أن أراك حالا. - ماذا حدث؟ - لا بأس أن أخبرك بالتليفون. - خيرا. - لا يستبعد أن أصاب بالشلل. - أعوذ بالله. - أسامة سيجنني. - ما له؟ - ألا تعرف؟ - من أجل ماجدة؟ - أتراها مسألة بسيطة؟ - لا تستحق كل هذا. - لو تزوجها سأصاب بالشلل إن لم أمت. - يا سهام أولاد هذه الأيام لا يمكن التحكم فيهم. - إلا أولادي، أولادي أنا لا يخرجون من يدي أبدا.
وحمد دري الله أن التليفون لم يعكس إليها هذه الابتسامة الساخرة التي ارتسمت على وجهه، وراحت هي تكمل. - أولادي أنا غير كل الأولاد. - وماذا تريدين أن تفعلي؟ - لهذا كلمتك. - هل أستطيع أن أمنع شيئا؟ - أنت تحب أسامة وأسامة يحبك. - إياك أن تطلبي مني أن أنصحه. - يا سلام، وما البأس أن أطلب هذا؟ - النصيحة عملة غير مستعملة في هذا الجيل، وأنا أكره أن أقف موقف الناصح على أية حال. - اطمئن يا سيدي، المسألة غير هذا تماما. - إذن أنا تحت أمرك. - أنا أخطب منك عبير لأسامة. - ماذا؟ - ألم تسمع؟ - سمعت. - فما هذه الدهشة؟ - أليست مفاجأة؟ - كل خبر مفاجأة قبل أن تسمعه. - ولماذا أضحي ببنتي؟ - إذا تزوجت بنتك أسامة تكون ضحيت بها؟ - إذا لم يكن أسامة يحبها. - الزواج يولد الحب. - أو يولد الكره. - ولماذا تقدر السيء؟ - بقدر ما تريدين السعادة لأسامة أريد السعادة لعبير. - أنت ترفض؟ - أرفض أن تفرض عبير على شاب لا يحبها. - فإذا طلبها هو؟ - أشوف رأيها. - ولكن المبدأ غير مرفوض عندك. - الرأي رأي عبير. - اتفقنا. - وشيء آخر. - قل. - يجب أن تكلمي إلهام أختك وناهد أيضا. - إلهام أستطيع أن أكلمها، أما ناهد! - سنرى ماذا ستفعل في الوقت المناسب. - أراك غدا. - غدا.
ووضعت سماعة التليفون، وما لبثت أن رفعتها. - حمدي. - نعم يا سهام. - ماذا تفعل؟ - بعض دوسيهات لشركة المقاولات. - اتركها وتعال. - هل حدث شيء؟ - ليس شيئا جديدا، وإنما أريد أن أكلمك فيه. - ألا تستطيعين الانتظار؟ - حين أريد أن أتكلم في موضوع لا أستطيع الانتظار. - في ظرف ساعة سأكون في البيت. - أريدك الآن. - أمرك.
وقبل أن يأخذ مجلسه. - ماذا سنفعل من أجل أسامة؟ - ما له أسامة؟ - هذه البنت التي لا يتركها ليلا أو نهارا. - أهذا شيء جديد؟ - النار تأكلني كل يوم كأنه شيء جديد. - وماذا بيدنا أن نفعل؟ - أنا أقلب الدنيا. - قد تستطيعين أن تقلبي الدنيا، ولكن هل سيفيد هذا في صلة أسامة بماجدة؟ - سترى ماذا سأفعل. - أنا تحت أمرك. - أولا أريد أن أخطب له عبير. - عبير؟! - نعم. - وكيف عرفت أنه سيقبل؟ - هذا شأني.
Página desconocida