John Maynard Keynes: Una breve introducción
جون مينارد كينز: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
يعد تناول كينز لآراء بيرك عن الملكية والديمقراطية في ضوء «قوانينه» السياسية جديرا بالملاحظة الدقيقة؛ فقد دافع بيرك عن حقوق الملكية القائمة على أساس أن إعادة توزيع الثروة لن تحدث أي فارق حقيقي للفقراء؛ إذ إن عددهم يفوق عدد الأغنياء بكثير، بينما في الوقت ذاته «تقلل عدد من يمكنهم الاستمتاع بالمنافع المؤكدة للثروة، وتقلل عدد من يمكنهم أن يجلبوا على الدولة المنافع التي يجلبها دائما وجود الأثرياء.» ورأى كينز أن هذه الفكرة «تحمل أهمية كبيرة بلا شك ... ويجب أن تكون ضمن أقوى الردود على أي خطط تستهدف تحقيق المساواة.» لكن تلك الفكرة لا تصح إن وجهت ضد «أي محاولة للتأثير على قنوات تدفق الثروة» وضد مواجهة الجوع أو الفقر الشديد؛ فلا تصلح مثلا للاعتراض على ضرائب التركات «التي يقصد منها تقليل تكدس الثروة»، ولا للاعتراض على مصادرة الملكيات الإقطاعية في أثناء الثورة الفرنسية. فطالما اهتم بيرك بالدفاع عن «الأسوار الخارجية» لنظام الملكية، لدرجة أنه لم ير أن ذلك ربما يعرض «قلب» النظام نفسه للخطر.
كانت تلك فكرة تقليدية عرضت بشكل تقليدي. لقد أصر كينز في عمله «بحث في الإصلاح النقدي» (1923) على أن الحكومات يجب أن تكون لديها حرية مراجعة العقود بين الأحياء والأموات؛ حيث إن «عواقب العوائد الربوية غير المنقطعة ضخمة جدا.» فبحسب قوله، إن «مؤيدي ثبات عقود الدين هم آباء الثورة»؛ وهذا موقف يحمل طابع بيرك عن جدارة، رغم أن بيرك كان يتجاهله أحيانا.
وسط أزمات ثلاثينيات القرن العشرين، تكون لدى كينز اعتقاد بأنه قد يكون من الضروري القيام ببعض التدخلات بشأن «الأسوار الخارجية» أكبر من التي أشار إليها في عام 1904 للدفاع عن قلب النظام؛ لذا فقد اقترح في «النظرية العامة» تنفيذ «القتل الرحيم في أصحاب الدخول الربوية» من خلال عدم السماح بوجود فوائد ربوية على القروض، كما دافع عن قوانين العصور الوسطى الربوية التي أرست حدا أقصى للفائدة. لكن عندما أوضح له مراسله الفرنسي مارسيل لابوردير أن «استقرار الثروات واستمرار التوريث في العائلات التي تنتمي لطبقات اجتماعية مختلفة هي أحد الأصول الاجتماعية غير المرئية التي تعتمد عليها جميع الثقافات بشكل أو بآخر»؛ رد كينز على الفور بقوله: «أتفق تماما مع ما تقول، وأرجو أن تكون كلماتك كافية لتأكيده بشكل كاف. وكلما كبرت أصبح أكثر اقتناعا بأن ما تقوله صحيح وهام. لكن يجب ألا أسمح لك بتحويلي إلى محافظ متشدد.»
قال كينز إن قضية الديمقراطية تتضمن سؤالين منفصلين؛ أولا: هل للجماهير الحق في إدارة حكومة ذاتية؟ ثانيا: هل من النافع والمفيد أن تكون الحكومة الجيدة حكومة ذاتية؟ كان بيرك قد رد على كلا السؤالين بالنفي القاطع. وأيد كينز بيرك بشدة في إجابة السؤال الأول. فالحكومة ما هي إلا «أحد ابتكارات الحكمة البشرية» من أجل «إشباع حاجات معينة، وهذا آخر القول.» فللناس الحق في حكومة جيدة لا حكومة ذاتية، وهو مبدأ ينطبق بلا نقاش على مكتب الهند. لكن المسألة الأصعب هي ما إذا كانت الحكومة الذاتية شرطا لوجود حكومة جيدة، وكان كينز في هذه النقطة أكثر انفتاحا من بيرك؛ إذ إنه اتفق معه في أن «الناس» غير قادرين على حكم أنفسهم، وأن على البرلمان أن يكون مستعدا دائما لمقاومة التحيز الشعبي تحت اسم المساواة بين الأفراد والطبقات. إلا أنه انتقد حلم بيرك بوجود «طبقة ممثلي الشعب» وقال إنه استخف بالقيمة التربوية للحكومة الذاتية. مع ذلك شك كينز في أن يجرؤ أي «كيان شعبي عقلاني أو غير متحيز» على أن يجري التجربة في ظل المعاناة الموجودة في العالم ما لم يكونوا «تحت تأثير الفكر الخاطئ القائم على الحقوق السياسية الطبيعية.»
لم يظهر في عصر كينز ما يشوب الديمقراطية؛ كان هذا لأن «قوتها الكاملة لم تكن قد دخلت حيز التنفيذ»؛ فالنظام القائم كان نظاما نخبويا تحكمه قلة من الأثرياء، وليس نظاما ديمقراطيا. وكان افتراض كينز استمرار النظام بهذا الحال مع إضافة بعض «الخبرة الفنية» نقطة ضعف في نظريته السياسية.
زاوج كينز في فلسفته السياسية بين عنصرين جوهريين لمذهب بيرك المحافظ؛ وهما: الرضا بوصفه هدفا، وتجنب المخاطرة بوصفها منهج الحكومة؛ وعنصرين جوهريين في إصلاح الليبرالية؛ وهما: الالتزام بالحقيقة، والإيمان بإمكانية وجود حكم فردي عقلاني. ورفض كلا من المذهب المحافظ غير المعتمد على العقلانية والاشتراكية الراديكالية. وكان هذا بشكل كبير هو مضمون فكرة «الطريق الوسط» التي اعتنقها في فترة ما بين الحربين العالميتين.
لقد ثار قدر كبير من الجدل حول ماهية الليبرالية التي اتبعها كينز؛ إذ يراه بيتر كلارك جزءا من الحركة «التقدمية» فيما قبل عام 1914 التي وحدت الليبراليين اليساريين والاشتراكيين المعتدلين في برنامج ديمقراطي مشترك لإعادة توزيع الثروة. في حين يقول مايكل فريدن إن كينز كان ليبراليا «وسطيا» صارما يطوع الحلول التكنوقراطية لمذهب فردي؛ فقد تبرأ كينز من السمات المميزة لليبرالية «التقدمية» من خلال تقييد تدخل الدولة لملء الفراغات التي يتركها القطاع الخاص، و«التخلي عن إعادة توزيع الثروة بوصفها مجالا واسعا للسياسة الاقتصادية الاجتماعية»، و«نزع الديمقراطية» من صناعة السياسات لصالح سيطرة الخبراء.
من الممكن إيجاد مبررات لكلا الطرفين. فمن الواضح أن ما جعل كينز بعيدا عن «التقدميين» هو سلوكه تجاه العدالة الاجتماعية؛ إذ لم يعترض كينز - أو بالأحرى لم يعترض بالقوة الكافية - على النظام الاجتماعي القائم على أساس أنه غير عادل أو غير منصف في توزيع الفرص، بل لأن مبدأ الحرية الاقتصادية لم يحم «الأعراف» الاقتصادية والاجتماعية القائمة. فالظلم بالنسبة لكينز يعني أي تغير عشوائي في الترتيبات الاجتماعية المستقرة، كتلك التي تسببها التغيرات في قيمة النقود؛ فقد تعاطف بشدة مع عمال المناجم في أثناء إضرابهم العام سنة 1926؛ لأنه رأى أنهم ضحايا العودة لمعيار الذهب بسعر مبالغ فيه للجنيه، والذي تم في العام السابق. وحول كينز مشكلة العدالة من الاقتصاد الجزئي إلى الاقتصاد الكلي؛ فأصبح الظلم مسألة عدم يقين، والعدل مسألة توقع تعاقدي. ولعبت فكرة إعادة توزيع الثروة دورا هامشيا في فلسفته الاجتماعية، ثم أصبحت مجرد جزء من آليات استقرار الاقتصاد الكلي، وليست وسيلة لتحقيق غاية مثالية كالمساواة.
تظهر تلك الاتجاهات في مقاله «نهاية مبدأ الحرية الاقتصادية» الذي قرأه لأول مرة في صورة محاضرة في جامعة أكسفورد عام 1924. وكانت شرور النظام القائم مصدرها في الغالب «المخاطرة وعدم اليقين والجهل». وتطلب علاجها «السيطرة المدروسة على العملة وعلى الائتمان من قبل مؤسسة مركزية»، و«جمع بيانات الأعمال ونشرها»، و«القرارات الحكيمة المنسقة» فيما يخص إجمالي حجم المدخرات وتوزيعها بين الاستثمار المحلي والأجنبي، ووضع سياسة سكانية «تهتم بالجودة الجوهرية ... مثل اهتمامها بالأرقام.» إن ما كان يسعى إليه كينز - كما كتب لاحقا في عمله «النظرية العامة» - هو سد الفجوات في «ليبرالية مانشستر». وقدم كينز معيارا لتدخل الدولة تمثل في فكرة الخدمة أو النشاط «الاجتماعي من الناحية الفنية»؛ بمعنى أن الدولة هي الوحيدة القادرة على تقديمه. واقترن بمجموعة النقاط تلك على نحو غير متناسق بعض الشيء منظور تطوري انحسرت بموجبه الرأسمالية الفردية لشركات العائلات أمام الرأسمالية «الاشتراكية الطابع» للمنفعة العامة والشركات الخاصة الكبيرة. وهكذا تنبأت التطورات الصناعية التلقائية ب «إضفاء الطابع الاشتراكي على الاستثمار» الواعي الذي دافع عنه كينز في عمله «النظرية العامة» وجعلته ممكنا.
ورغم رفض الليبراليين له، لم ينضم كينز إلى حزب المحافظين ولا حزب العمال. وتساءل في مقال له في عام 1926 بعنوان «هل أنا ليبرالي؟» قائلا: «كيف يكون لي أن أصبح محافظا؟» ثم أضاف:
Página desconocida