واستطاع لطفي السيد - عن طريق الصحافة أيضا - أن يغرس في نفوسنا المبادئ العملية للوطنية المصرية، وأن يرفعنا من مستوى العواطف إلى مستوى العقل في معالجة شئوننا، وقد غضبنا منه في الأول عندما صدم عواطفنا، ثم هدأنا وسكنا إلى العقل الذي دعانا إليه، وتغير شعبنا بذلك.
ثم هناك طائفة من الكتاب أحدثت في مجتمعنا المصري أكبر التغير بمؤلفاتها، ومعظمها إن لم تكن كلها قصص، من حيث الدعوة إلى الحب كوسيلة للاستمتاع بين الشباب وتهيئة للزواج، وقد كانت الدنيا قبلهم تستمتع بالحب إلا مصر، وكانت كلمة الحب تعد عارا وشنارا إذا ذكرت أيام الخطبة بين الخطيبين، أما الآن فهي كلمة مقدسة، بل هي عند المرتقين من الآباء والأزواج شرط لازم يجب أن يسبق الزواج، وصار الحب حقا للشاب كما هو حق للفتاة.
والفضل في هذا لكتاب القصة الذين جعلوا كلمة الحب من الكلمات المقدسة في أدبنا ومجتمعنا، وكانت قبل ذلك من النجاسات والمحرمات، وتغير مجتمعنا بهذه الكلمة وأصبح مجتمعا إنسانيا.
إن عندنا كتابا يلتزمون التقاليد، ويحاولون أن يكتبوا كما كان يكتب الجاحظ، يقرءون الكتب ويؤلفون عنها كتبا أخرى، كتبا من كتب، وهؤلاء لم يغيروا مجتمعنا لأنهم لم يمسوه، بل لم يهتموا به، فمشكلات مجتمعنا لم تمس قط قلوبهم، وإنما الذي مسه هو أسلوب الجاحظ، ومشكلة الخوارج، وابتداعات المعتزلة، وأشعار أبي نواس، ولكن قاسم أمين إنما غيرنا لأنه لم يكن يؤلف الكتب عن الكتب، بل كان ينظر إلى المجتمع المصري ويقارن بينه وبين مجتمعات أوروبا، وكان يتنهد ويغضب، ثم ألف بعد ذلك، فانفجر كتابه بل كتاباه بيننا، وأحسسنا من قراءتهما أن ها هنا رجلا يحبنا ويغضب ويوبخنا ويطلب منا أن نتغير.
أجل، وعرفنا أمانته، فتغيرنا وتطورنا.
ومع كل ما ذكرت عن تأثير الكتب التي تغير الأفكار والمجتمعات، يجب ألا ننسى أن هذا التغير يحتاج قبل كل شيء إلى مهيئات اجتماعية اقتصادية، وأن الدعوة بالكتاب تذهب صيحة في الصحراء ما لم توجد هذه المهيئات.
ففي مصر مثلا كان أعظم ما حرر المرأة هو استخدامها في الحرف والمصانع والمتاجر، واختلاطها بالأجانب ونهضة 1919 السياسية الاقتصادية التعليمية.
وكذلك إلغاء الرق في الولايات المتحدة يعود إلى حد كبير إلى المباراة بين أصحاب رءوس الأموال في الشمال وبين زملائهم في الجنوب؛ فإن الأولين كانوا يستخدمون العمال، ويتكلفون دفع أجورهم، بينما الآخرون في الجنوب كانوا يمتازون عليهم باستخدام العبيد بلا أجر، وانتهت المباراة بينهما إلى حرب التحرير.
ولكن الكتاب يكسب حركة الإصلاح كلمات هي شارات، ويعطيها إيحاءات، فيحدث التجاوب بين المهيئات الاقتصادية الاجتماعية وبين الكتاب الأحرار ومؤلفاتهم التحريرية.
ينقصنا 10 كتب
Página desconocida