Kayfa Nafham al-Tawheed
كيف نفهم التوحيد
Editorial
الجامعة الإسلامية
Número de edición
الثانية
Año de publicación
١٤٠٦هـ
Ubicación del editor
المدينة المنورة
Géneros
مقدمة
...
كيف نفهم التوحيد
تأليف: محمد أحمد باشميل
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد:
فأن الله تعالى لم يخلق الخلق ولم يرسل الرسل إلا ليعبدوه وحده قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ .
ومن المؤسف المبكي أن عامة المسلمين من الجهال لا يعرفون المعنى الحقيقي للعبادة فيتوجهون بها إلى غير الله تعالى (جهلا) فيقعون في الشرك المخرج من الملة.
وذلك حين يتوجهون في خشية وخضوع إلى المقبورين من الأنبياء والأولياء والصالحين بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذور ويطوفون بالقبور والتوابيت (تعظيما) كما يطوفون بالكعبة المشرفة. وهذه هي العبادة وأن أسموه تبركا وتوسلا.
وإذا كان الجهلة من العامة يرتكبون هذا الشرك عن جهل وعدم إدراك وفهم لمفهوم العبادة، فأن هؤلاء قد يكون لهم بعض العذر لجهلهم.
ولكن ما عذرُ العلماء الكبار الذين يعرفون المعنى الحقيقي للعبادة ويعلمون في قرارة أنفسهم أن ما أنغمس فيه العامة هو شرك أكبر مخرج من الملة؟، ويصدرون الفتاوى بأن ما يرتكبون من الشرك القولي والفعلي والاعتقادي هو توسل مطلوب وتعبير عن محبة الأنبياء والصالحين.
ثم أنهم - لتعميق الشرك في قلوب العامة الذين يتخذونهم قدوة – يأتون الأعمال الشركية في الموالد والحوليات المبتدعة وغيرها.
1 / 5
ألا يتقي الله هؤلاء العلماء الذين يكتمون الحق ويشجعون على الكفر.
أمن أجل دريهمات بخسة أو جاهٍ زائل يرتكبون هذه الجرائر في حق أنفسهم وفي حق العامة.
أن هذا النوع من العلماء هم الضالون المضلون.
وبعد أيها القارئ الكريم:
فأنني لما كنت ممن يعلم هذه الحقائق المروعة المتمثلة في تفشي الشرك الأكبر بشكل مخيف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
فأني استخرت الله تعالى واتكلت عليه.
فأصدرت هذه الرسالة بعنوأن "كيف نفهم التوحيد"، راجيا من الله تعالى أن يتقبلها مني ... وأن ينفع بها عباده الذين ضلوا عن علم أو عن غير علم.
أنها مني محاولة متواضعة لإخراج من يريد الله تعالى ... إخراجه من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد.
أنه نعم المولى ونعم النصير ...
1 / 6
كيف نفهم التوحيد
...
"ستنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية" ... عمر بن الخطاب
كان على جأنب كبير من التدين، ومع وداعته ودماثة خلقه، كان صريحا إلى أبعد الحدود.
وكنت معه دائما على وفاق تام، لم نختلف إلا في ناحية واحدة، هي ناحية التوسل بالأموات ودعائهم والاستغاثة بهم من دون الله والذبح والنذر لهم.
فقد كانت هذه الأمور مثار جدل بيني وبينه، وكان يبدو لي (من حديثه) أنه- كغيره- يرى أن كل ذلك جائز (على الأقل) إذا لم يكن مستحبا.
وذات يوم، قال لي: أنت تعلم أنني لم أدعُ أحدًا غير الله ولم أتوسل إلى الله تعالى بغير عملي.
فقلت له: أعلمُ هذا، وهو الذي يجعلني أطمع فيك وأتوسم فيك الخير، لأن عاقلا مثلك يجب أن لا تغيب عنه مفاسد مثل هذه الحماقات التي يرتكبها المغفلون من ضحايا سدنة القبور وتجار الأضرحة.
هل دعاء الأولياء من دون الله كفر؟
قال: ولكنني مع هذا (كما قلت لك أكثر من مرة) لم أهضم ولم أستسغ
1 / 7
(إلى الأن) أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم (وخاصة الأولياء والأنبياء والصالحين) شرك مخرج من الملة، ما دام أن المستغيثين والمتوسلين لا يعتقدون فيهم القدرة على الضر والنفع والخلق والإيجاد والإحياء والإماتة وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله.
ولطالما دار النقاش بيني وبينه، إلا أنه (غالبًا) ما يكون نقاشًا قصيرًا غير عميق بحيث لم يستطع أحدنا إقناع الآخر.
قال لي مرة: هل لك، أن نضع الموضوع على بساط البحث (وبكل صراحة) نتناوله من جميع نواحيه، بشرط أن نحزم عواطفنا وندعها جأنبا، لأن الناس لا يضلون السبيل إلا حيث تتحكم فيهم العاطفة ويتمكن من قيادهم الهوى؟؟
فقلت له: هذه، والله، هي اللحظة التي طالما تمنيتها، لأنني حريص على أن أكشف لك غوامض ومعميات هي السبب فيما أنت فيه من حيرة وتردد، ولذا تجدني سعيدًا بالتعمق معك في بحث هذا الموضوع.
قال: عظيم جدًا ... وأردف قائلًا:
ما هو موقفكم (بالضبط) من هذه المسألة؟ وما هي الأدلة القطعية التي تستندون إليها في تكفير الذين يملكون ذلك الطريق- طريق دعاء الأموات والاستغاثة بالأنبياء والصالحين والذبح والنذر لهم- وتحكمون عليهم بالخروج من الملة؟؟
فقلت له: موقفنا من هذه المسألة هو تبع لموقف القرآن الكريم،
1 / 8
وحكمنا هذا ليس رأيًا رأيناه وليست نظرية ابتدعناها، وأنما هو امتداد لحكم هذا الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فالقرأن الكريم (لا نحن) هو الذي حكم على هؤلاء القبوريين بالكفر وأدأنهم بالشرك.
فقال لي: (في هدوئه المعروف) لا داعي لتكرار هذا القول المجمل، فأنا أعرفه عنكم، وهو لا يزال في نظري مجرد دعوى، والدعوى بدون دليل لا تقبل، فما هو الدليل المفصل المقنع؟! أن الموضوع أكبر وأخطر من إرسال الكلام على عواهنه، فأنتم بإقدامكم على تكفير المسلمين بمثل هذه السرعة واللامبالاة، قد أحدثتم فتنة عمياء بين المسلمين لا يزالون يخبون في غمارها حتى الأن.
تمويه القبوريين:
فقلت له: أنتم لا تزالون واقعين تحت تأثير دعايات مضلله كبيرة، فهي التي سدت عليكم منافذ التفكير وجعلتكم تعتقدون فينا ما تعتقدون وتظنون بنا ما تظنون ...
وعلى العموم فأنتم أحرار، ولكم أن تسموا ما قمنا ونقوم به فتنة، أو تهورًا أوتسرعًا، أو أي شيء آخر يحلو لكم.
غير أن هذا كله لا يغير من الحقيقة المشرقة شيئًا، وهي أننا قوم نظرنا في كتاب الله تعالى وتدبرناه كما أمرنا الله أن نتدبر.
فأبصرنا وصفًا وصف الله به المشركين الأولين، ينطبق (تماما) على هؤلاء القبوريين الذين يدعون الأموات ويستغيثون بهم ويتضرعون إليهم،
1 / 9
ويشركونهم مع الله في النُسُك والنذر، فلم نتردد في التنبيه والتبيين، ولم نتهيب أحدًا عندما أعلنَّا ما وصل إليه علمنا، فقلناها صريحة، ورمينا بها بين أكتاف المكابرين، ولا يهمنا رضي الناس عنا أم غضبوا علينا.
فما كان رضى الناس (في يوم من الأيام) مقياسًا للحق، وغضبهم معيارًا للباطل.
شبه المشركين والقبوريين ونقضها:
أما الدليل على ما نقوله وندين الله به (في هذه الناحية) فعليك أن تصغى إليه في التفصيلات الآتية:
أولا: أنتم ترون أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم والتقرب إليهم بالذبح والنذر ليكونوا شفعاء ووسطاء إلى الله، كل ذلك ترون أنه ليس من الشرك ولا من الكفر، مادام أن القائمين به يؤمنون بالله ربا وأنه لا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا هو سبحأنه وتعالى، ويعتقدون أن من يدعون من دونه لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا.
ولكن الواقع يثبت أن هذه نظرية خاطئة، والتحليل هذا تحليل فاسد يناقض أصول الإسلام مناقضة تامة، وسيتضح لك ذلك جليا فيما يلي أن شاء الله.
حقيقة النزاع بين الأنبياء والمشركين:
فالمتتبع للصراع الذي كان ناشئًا بين الأنبياء (وخاصة نبينا محمدا ﷺ وبين المشركين الأولين، يجد أن سببه ومداره ليس أنكار أولئك المشركين لوجود الله سبحأنه وتعالى وعدم إيمأنهم به.
1 / 10
وليس مبعثه عدم تسليمهم بأنه جل وعلا بيده ملكوت كل شيء، وليس مثاره اعتقاد أولئك المشركين أن من يدعون من دون الله يشاركون الله في جلب نفع أو دفع ضر، فكل شيء من ذلك لم يخطر على بال أحد من أولئك المشركين ولم يعتقد أحد منهم شيئا منه البتة.
إيمأن المشركين بالله:
فقد كان هؤلاء المشركون يؤمنون بوجود الله إيمانًا جازما ويوحدونه في الربوبية توحيدًا كاملا لا تشوبه أية شائبة، أي أنهم كانوا يعتقدون أنه تعالى ربهم ورب كل شيء وأن من يدعونهم من دونه من الآلهة والأنبياء ليسوا إلا بعضًا من عبيده وخلقه لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، وأن الضر والنفع والموت والحياة بيده وحده ﷾ لا يشاركه في ذلك ولا يظاهره أي مخلوق من مخلوقاته.
هكذا كان إيمان المشركين الأولين بربهم، وهكذا كانوا يوحدونه في الربوبية هذا التوحيد الخالص الذي يقصر دونه (اليوم) توحيد القبوريين من عباد الأولياء الذين لا يلجأون إلى أوليائهم من الميتين- سكان الأضرحة- مستغيثين ومستنجدين بهم وضارعين إليهم، إلا عند الشدائد.
عكس ما كان يفعله المشركون الأولون الذين لا يدعون آلهتهم من الأولياء المتمثلين في تماثيلهم وأنصابهم إلا حيث لا يكون ضيق ولا شدة، أما في الضيق والشدة، فهم لا يلجأون إلا إلى الله وحده لا شريك له.
وهنا ثارت ثائرة صاحبي وقال (في احتجاج ظاهر): عجيب، وغريب، وكيف، وكيف؟!
1 / 11
توحيد أبي جهل وأبي لهب:
أبو جهل وأبو لهب ومن على دينهم من المشركين، كانوا يؤمنون بالله ويوحدونه في الربوبية خالقًا ورازقًا، محييا ومميتا، ضارًا ونافعًا، لا يشركون به في ذلك شيئًا؟؟ عجيب، وغريب، أن يكون أبوجهل وأبولهب، أكثر توحيدًا لله وأخلص إيمانًا به من هؤلاء المسلمين الذين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله؟؟، ما هذا يا رجل، كيف تجرؤون على التصريح بمثل هذا الكلام الخطير، الذي هو وأمثاله مما تغالون فيه هو الذي جعلكم أعداء للملايين من المسلمين في العالم؟
فقلت له: ليس هذا عجيبا ولا غريبا، بل هذا هو الواقع الذي ستعرفه وستسلم به (إن شاء الله) عندما تنكشف لك الحقائق جلية، وتنتصب أمامك الأدلة مشرقة واضحة، وعندها سيزول (بإذن الله) ما علق بذهنك، وستتخلص مما رسب في عقلك من رواسب المغالطات التي تغالطون بها أنفسكم وتظنونها حججا وبراهين.
الدليل على توحيد المشركين وإيمانهم بالله:
فقال: الدليل ياصاحبي، ما هو الدليل على هذا الذي تزعمونه؟ وإذا كان ما تقولونه صحيحًا من أن المشركين الأولين كانوا يؤمنون بالله هذا الإيمان، فما هو الشرك (إذن) الذي نعاه الله عليهم وكتب لهم بسببه الخلود في النار، بعد أن أحل دماءهم وأموالهم وأمر نبيه أن يجالدهم بالسيوف ويطاعنهم بالرماح؟
1 / 12
فقلت له: وهل غير القرآن مصدر لهذا الدليل ... إن الدليل في هذا الكتاب الخالد الذي تعبد الله أنت وملايين البشر ممن على رأيك، من المنتسبين إلى الإسلام بتلاوته صباحا ومساء، ولكن دون أن تكتشفوه فتفهموه.
اعتراف المشركين بأن الله وحده الخالق الرازق المحيي والمميت
فقد قال تعالى مؤكدا إيمان أولئك المشركين الأولين به ﷾، ربًا خالقًا ورازقًا، ومحييًا ومميتًا، ضارًا ونافعًا، قال تعالى لنبيه محمد ﷺ في حق هؤلاء المشركين:
﴿وَلَئِنْ سَأَللهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، ﴿وَلَئِنْ سَأَللهمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ ١، ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ ٢.
﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ ٣.
_________
١ العنكبوت: (٦٣)
٢ المؤمنون الآيات: (٨٤- ٨٩)
٣ يونس: (٣١)
1 / 13
فهذه الآيات البينات (يا صاحبي) هي دليلنا الذي لا يقبل الجدل على أن المشركين الأولين ما كانوا يكفرون بوجود الله، وما كانوا يعتقدون أن له شريكا يشاركه التصرف في شيء من ملكه بل كانوا يوحدونه (في الربوبية) توحيدًا كاملًا.
فصح بهذا يقينًا، أنهم ما كانوا يلجأون إلى أوليائهم (عندما يدعونهم) ليهبوا لهم حياة أو يدفعوا عنهم موتا أو ينزلوا لهم غيثًا.
وما كانوا يتقربون إلى آلهتهم ممن اتخذوا من الأولياء ليكتبوا لهم سعادة أو يمحوا عنهم شقاء، وكيف يصدر منهم مثل هذا، وهم الذين كانوا يؤمنون إيمانًا جازمًا بأن هذا كله أنما هو من اختصاص ربهم وحده الذي بيده ملكوت كل شيء؟؟ كما قررت هذه الآيات.
فعلى ضوء هذا الدليل الدامغ، يتضح لكم بطلان هذا الشرط الهزيل الذي تتمسكون به حين تعتقدون أن من يدعو غير الله لا يكون مشركا إلا إذا اعتقد أن الضر والنفع بيد من يدعوه كما يعتقد في الله.
ولو كان هذا الشرط صحيحا، وما تدعونه (في نظر الإسلام) سليما لما حكم الله على أبي لهب وأبي جهل وحزبهم بالشرك لأن هذا الشرط الذي تشترطونه متوفر فيهم، لأنهم كانوا لا يعتقدون أن الضر والنفع بيد من يدعونه كما يعتقدون في الله، وقد فصل القرآن ذلك عنهم في الآيات السابقة.
المشركون الأولون كانوا أكثر إيمانًا من مشركي هذا الزمن.
أما الدليل على أن توحيد المشركين الأولين وإيمانهم بربهم كان أقوى من توحيد القبوريين وإيمانهم في هذا الزمن فهو أيضًا من القرآن ذلك الكنز
1 / 14
الذي لا ينفد والنور الذي لا يخبو، فقد قال الله تعالى في حق أولئك المشركين:
﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ ١.
﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُورًا﴾ ٢.
﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ ٣.
فهذه الآيات تثبت أن أولئك المشركين إذا ركبوا في البحر وتعرضوا للخطر فتوقعوا نزول قارعة نسوا آلهتهم من الأولياء وغيرهم وكفروا بهم، وأخلصوا الدين لله وحده، وتوجهوا إليه بالدعاء، معلقين عليه وحده الرجاء.
لأنهم كانوا يعرفون (تماما) أن الذين يدعونهم من دونه هم أحقر وأضعف من أن يجلبوا لهم أية مساعدة أويقدموا لهم أي عون في تلك اللحظة الحرجة، بل لأنهم كانوا يدركون أن من يدعون من دون الله أعجز من أن يسمعوا لهم صوتا، فضلا عن أن يجيبوا لهم دعاء.
لذا فشريط المغالطات المعروض أمام بصائرهم يتمزق في تلك اللحظة الفاصلة، وتتجلى أمامهم الحقيقة جلية واضحة، وهي أن أحدا غير الله (مهما كان) لا يمكن الالتجاء إليه لإنقاذ الموقف في اللحظات العصيبة.
_________
١ العنكبوت: (٦٥)
٢ الإسراء: (٦٧)
٣ الأنعام: (٦٣-٦٤)
1 / 15
كيف يلجأ المشركون الأولون إلى ربهم عند الشدائد وينسون آلهتهم؟
فهم لهذا يلجأون إلى الله وحده فيخلصون له الدين، ويدعونه ويتضرعون إليه ويطلبون منه العون والمدد دون سواه وينسون الأولياء الذين اتخذوهم آلهة من دونه في الرخاء لإيمانهم إيمانًا جازما أنه ﷾ الوحيد الذي يقدر على إنقاذهم من الغرق، فهؤلاء المشركون (بشهادة القرآن) يظلون مخلصين لله الدين ماداموا في منطقة الخطر، ولكنهم إذا اجتازوا هذه المنطقة ونجوا إلى البر عاوللهم العادة التي وجدوا عليها آباءهم، فيشركون مع الله غيره في الدعاء والذبح والنذر، وهذا هو الذي أنبهم الله عليه وسماهم بسببه مشركين في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ ١.
هذا هو حال المشركين الأولين في إخلاصهم الدين لله وتوجههم إليه وحده بالدعاء عندما يحزبهم أمر أو يحدق بهم خطر.
كيف ينسى مشركو اليوم ربهم عند الشدائد ويلجأون لأوليائهم؟
أما مشركو هذا الزمن من القبوريين فهم على النقيض من المشركين الأولين، فلا يدعون الله ولا يضرعون إليه إلا في الرخاء.
أما إذا اشتد بهم كرب أو ضاق بهم مسلك أو تعذر عليهم مطلب، فإنهم ينسون الله ﷾ ويذكرون أولياءهم فيجعلون منهم آلهة، فيتقربون إليهم (في ضراعة وخشوع) بالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء.
_________
١ العنكبوت: (٦٥)
1 / 16
فالبدوي والجيلاني والرفاعي والتيجاني والعيدروس وابن عيسى وغيرهم من الأولياء، لا تسمع الهتاف الحار بأسمائهم، والتوجه بالدعاء الخالص إليهم، إلا عند الشدائد.
والقبوريون إذا ركبوا البحر وأحدق بهم الخطر نسوا الله ﷾، وذكروا أولياءهم، وسارعوا بالابتهال والدعاء إليهم، مستغيثين ومستنجدين، قائلين (في ذلة وضراعة): مدد يا بدوي، يا جيلاني، يا رفاعي الخ، فتراهم يناجون وكأنهم عندهم حاضرون.
ولو رأيتهم (في هلع وذلة) كيف يتبارون في نذر النذور لهؤلاء المقبورين ويتعهدون بتقديم القرابين عند قبورهم، إن هم نجوا من الغرق، لأدركت مدى حقارة الشرك وخسة الكفر التي تمرغ كرامة الإنسان في مزابلها وأوحالها، حيث تنحدر به من مرتبة الإنسان العاقل إلى منزلة أحط من منزلة الأنعام السائمة.
وأي حقارة وخسة ومهانة أحط من أن ينصرف الإنسان بقلبه عن خالقه ورازقه، عن ربه الذي هو معه يسمع ويرى، ثم يتوجه (في ضراعة وخشوع) إلى عظام نخرة عجزت عن صد غارات الدود الذي اقتتل على اللهام اللحم المحيط بها في القبر يتوجه إليها، فيطلب منها العون والمدد داعيا إياها ومستغيثا بها لتسارع لإنقاذه من الغرق؟؟
وصدق الله العظيم: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ ١.
ولقد حضرت كثيرا من هذه الحماقات فتأذى نظري واكتوى قلبي من تلك المهازل الشركية والتصرفات الجاهلية.
_________
١ الأحقاف: (٥)
1 / 17
كيف اصطدم المؤلف بالقبوريين عندما أشرفوا على الغرق؟
وقد حضرت كثيرا من هؤلاء وهم يتضرعون إلى أوليائهم بالدعاء الحار في البحر، وذلك عندما كنت مسافرا في البحر الأحمر، منذ أكثر من خمس وعشرين سنة.
فقد كنا أكثر من ثمانين راكبا في سفينة شراعية صغيرة، وعندما هاج علينا الموج وغشينا من كل مكان صارت السفينة تهبط بنا بين الأمواج الهائلة، وكأنها تنوي الاستقرار في قاع البحر، وترتفع (مع المد) وكأنها تريد الطيران من البحر.
وفي تلك الساعة العصيبة، ضج القبوريون بالدعاء وطلب العون والمدد، لا من الله الحي القدير على كل شيء، وإنما من الميت الذي لا يقدر على شيء.
فقد توجهوا بقلوب خاشعة كسيرة، إلى الشيخ سعيد بن عيسى ﵀ الذي فارق الحياة منذ أكثر من ستمائة سنة، وأخذوا يدعونه في فزع مشوب بالرجاء، قائلين: (يا ابن عيسى، يا ابن عيسى، حلها يا عمود الدين) وأخذوا يتسابقون بنذر النذور له والتعهد بتقديمها عند قبره إن هم نجوا من الغرق، وكأن أمرهم بيده، لا بيد الله ﷾.
كاد القبوريون يقذفون بالمؤلف إلى البحر
وعندما حاولت (على صغر سني حينذاك) إقناعهم بأن هذا موقف لا يصح أن يتوجه فيه مسلم إلى غير الله ورجوت منهم (في شفقة وإخلاص) أن يلجأوا إلى ربهم ويخلصوا له الدين بالتضرع بالدعاء إليه وحده، وأن يتركوا
1 / 18
الشيخ ابن عيسى الذي ليس له من الأمر شيء، الذي لا يسمعهم فضلا عن أن يجيب دعاءهم، ثاروا وصاحوا جميعا (وهابي وهابي) وكادوا يقذفون بي بين الأمواج الهائجة لولا أن الله حماني منهم ببعض الذين يكتمون إيمانهم في السفينة.
وعندما هدأت العاصفة ونجونا (بعون الله تعالى وفضله) وحده وليس بفضل ابن عيسى طبعا وأقبل بعضنا يهنئ بعضًا، أخذ هؤلاء القبوريون، يؤنبونني ويخوفونني من سوء الظن بالأولياء، ممتنين عليَّ بالنجاة ومذكرين بأنه لولا حضور القطب (ابن عيسى وخفانه) في تلك الساعة العصيبة لكنا جميعا في بطون الأسماك.
خرافة حضور الأولياء عند الشدائد:
فقلت لهم (وقد أوجعني سماع هذا الكفر الصراح): إنكم تظلمون أنفسكم وتفترون على الشيخ ابن عيسى ﵀. إن هذا الشيخ الميت لهو أعجز من أن يسمع دعاءكم، فضلا عن أن يجيبه، فيحضر هنا بين هذه الأمواج لإنقاذكم.
اعقلوا أيها القوم، أن هذا الذي تدعونه من دون الله ميت، وقد قرر الله أن الميت لا يسمع وبهذا جاء القرآن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ ١، ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا
_________
١ النمل: (٨)
1 / 19
الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ١﴾ ٢ ولكنكم لجهلكم بسنن الله، وإعراضكم عن تدبر وفهم ما جاء في كتاب الله، تقعون في مثل هذه الحماقات، فتنصرفون (بقلوبكم) عن القادر على كل شيء الذي هو معكم يسمع ويرى، وتتوجهون إلى الميت العاجز الذي هو في غفلة عنكم لا يسمعكم ولا يراكم.
أما نجاتنا، فلا أثر لابن عيسى ولا لغيره فيها البتة، وإنما الذي نجانا (بفضله وكرمه) هو العلي القدير وحده، دون أن يؤثر عليه دعاؤكم لصالح أو استغاثتكم بنبي، لأن الكل (الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين ﵃ ليس معنا أحد منهم في تلك اللحظة الحرجة، وإنما الذي كان معنا (وحده) هو الله الواحد الأحد الذي يسيرنا في البر والبحر.
فقال أحدهم (متفلسفا): نحن لا ننكر أن الله فوق الجميع بيده كل شيء، فقلت له: هذه مغالطة قديمة، قالها المشركون الأولون، وقولك هذا يخالفه فعلك، فلو كنت مؤمنًا بما تقول إيمانًا صادرًا من قلبك، ما انصرفت في ساعة الكرب والشدة عن هذا الرب الخالق العظيم وتوجهت إلى المربوب الميت الحقير، فصرت أقل إيمانًا وأضعف ثقة بالله من المشركين الأولين الذين يخلصون له الدين ويتوجهون إليه وحده في الشدة كما حكى ذلك عنهم.
_________
١ فاطر: (٢٢)
٢ هذه قاعدة كونية عامة ثابتة لا تتغير وهي أن الميت (أي ميت) لا يسمع، إلا من جاء في حقه دليل خاص وفي حالات خاصة، فهذا خصوص يبقى معه العموم على حاله، فمن أين إذن الدليل لهؤلاء القبوريين على أن أوليائهم من الموتى يسمعونهم، فهل جاء في القرآن أن الشيخ فلان أو السيد علان قد خصه الله من بين الميتين أنه يسمع من يناديه من كان وفي أي مكان كان؟ وإذا فرضنا جدلا أنهم يسمعونهم فهل رخص الله لهم في أن يدعوهم ويستغيثوا بهم من دونه؟ وهل أخبرهم أنهم مخولون بإجابة دعائهم والعمل على إنقاذهم عند الاستغاثة؟ سيبقى هذا السؤال دون أن نجد له جوابا مقنعا عند هؤلاء القبوريين إلى يوم يبعثون ...
1 / 20
كيف يتمثل الشيطان للقبوريين في صور أوليائهم؟
وقال لي آخر (وكأنه حجني): إنك تكره الأولياء وتنكر كراماتهم، ولذلك حرمك الله من التمتع بما رأينا في تلك الساعات الحاسمة ... فقلت له: ومن قال لك أنني أكره الأولياء وأنكر كراماتهم؟ فهل رأيتني أشتم وليًا من أولياء الله؟ أو أنتقص صالحا من صالحي المؤمنين؟ ومتى سمعتني أنكر كرامة ثابتة أكرم الله بها وليا من أوليائه نص عليها كتابه أو جاءت بها سنة نبيه ﷺ؟
فهل سمعت أنني أنكرت كرامة أهل الغار الذين أكرمهم الله فأفرج عنهم الصخرة بعد أن انطبقت عليهم وسدت عليهم منافذ الغار؟.أم هل سمعتني أنكرت ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أو غيرهم من الصحابة ﵃ الذين ثبت (بنص الحديث الشريف) أنهم من أولياء الله المبشرين بالجنة؟
أم أنها اللهمة التقليدية المكرورة توجهونها إلى كل من لا يوافقكم على حماقاتكم ولا يؤمن بخرافاتكم ولا يسكت على جهالاتكم؟؟
ولكن قل لي ما هو الذي حرمني الله من التمتع به والذي رأيتموه أنتم في تلك اللحظة الحاسمة؟
قال: رأينا القطب العظيم (الشيخ سعيد بن عيسى) وكأنه شعلة من نور ماسكا بالدقل (سارية السفينة) وهو يخاطب البحر طالبا منه أن يسكن، وفعلا سكت البحر عن الهياج ونجونا ببركة هذا القطب العظيم.
1 / 21
فقلت له: (ساخرا) هل سبق لك أن عرفت الشيخ سعيد بن عيسى العمودي الذي مر على وفاته أكثرهن ستمائةسنة؟
قال (طبعا): لا....
فقلت له: كيف إذن عرفت أن الذي رأيته من على الدقل يصدر أوامره إلى البحربالسكوت، هو الشيخ سعيد بن عيسى العمودي، وأنت لم يسبق لك أن رأيته؟؟ فهل نزل عليك وحي من السماء يؤكد أن الذي رأيت (على فرض أنك رأيت) هو الشيخ ابن عيسى؟ وهنا ارتج عليه، ولم يحر جوابا.
غلبت عليه السوداء فتصور ابن عيسى معه حاضرا
فقلت له: الحقيقة أنك لم تر ابن عيسي ولا غير ابن عيسى على الدقل، وإنما في حالة الهلع والخوف غلبت عليك السوداء فصورت لك (بالاشتراك مع الشيطان) ما ظننته ابن عيسى، لتزداد إيغالا في ضلالك وتوغلا في مفاوز جهالاتك.
وقد كان جوابه الوحيد (الذي قطع به المناظرة) غريبا حين صاح: وهابي جاحد، زنديق.
وهذا هو آخر سلاح، يتسلح به القوم عندما تدمغهم حجة أو يصفعهم برهان.
وهنا قلت لصاحبي: والآن ما رأيك؟؟ أليس في هذا ما يقنعك بأن ما ذكرته لك كان صحيحا من أن إيمان المشركين الأولين بربهم وثقتهم به (في الشدة) كان أقوى من إيمان القبوريين وثقتهم به ﷾؟
1 / 22
مغالطات القبوريين:
فقال: لقد قسوت على هؤلاء الناس إذ وصفتهم بالشرك وجعلت إيمانهم بالله وتوحيدهم له أقل من إيمان وتوحيد المشركين الأولين، مع العلم أن هؤلاء القبوريين (كما تصفهم) عندما هتفوا باسم ابن عيسى واستغاثوا به في تلك الساعة الحرجة، لم يفعلوا ذلك لعدم ثقتهم بالله، ولم يفعلوه اعتقادا منهم أن ابن عيسى وغيره ممن يُدعون، هم الذين يسيرونهم في البر والبحر، أو أنهم معهم يسمعون ويجيبون نداءهم كما يجيبه الله ﷾.
وإنما يفعلون ذلك لاعتقادهم أن الله ﷾ سينجيهم ببركة توسلهم بهؤلاء الأولياء، فهم ما لجأوا إليهم وهتفوا بأسمائهم في تلك اللحظة الخطيرة، إلا لاعتقادهم أن لهؤلاء جاها عند الله لابد وأن ينجيهم إكراما لأوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
قلت له: هذه مغالطة قديمة مكررة، لا يمكن أن تجوز على عاقل يحترم نفسمه لعدة وجوه.
- منها أن هؤلاء القبوريين لو لم يعتقدوا أن هؤلاء الأولياء من الأموات هم معهم في السراء والضراء يسمعون استغاثتهم ويجيبون دعاءهم، وأن في يدهم القدرة على إنقاذهم، لما ابتهلوا إليهم هكذا، واستنجدوا بهم في ضراعة وتذلل، استنجاد العاجز الضعيف بالقوي القادر على كل شيء، ولما نذروا لهم هذه النذور، وتعهدوا بتقديم القرابين لهم، إن هم أعانوهم على النجاة من الغرق، بل ولما وفوا هم بهذا النذر (رغبة ورهبة) .
وهل يقدم عاقل على الهتاف والاستغاثة والاستنجاد بمن يعلم أنه لا يسمعه ولا يجيبه، ولا يضره ولا ينفعه؟
1 / 23
دعاء الميتين من الأولياء إماكفر أو جنون
إن الذين يدعون الأولياء من الميتين هم بين أمرين: إما أنهم يعتقدون أن هؤلاء الميتين يسمعونهم (على بعد المسافة) ويجيبونهم ويعملون على إنقاذهم أو لا يعتقدون، فإن اعتقدوا هذا (وهو ما يعتقدونه فعلا) فهو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لهم.
وأما أن يعتقدوا أن هؤلاء المدعوين لا يسمعون ولا يجيبون وهذا هو الجنون، والمجنون قد سقط عنه التكليف، فهؤلاء القبوريون (إذن) إما مشركون وإما مجانين وعليك أن تضعهم حيث شئت.
والحقيقة أن هؤلاء القبوريين ليسوا بمجانين، ولكنهم مفتونون فتنهم الشيطان وزين لهم هذه الأعمال الشركية وحببها إلى قلوبهم.
فلو لم يثقوا في قدرة أوليائهم على إنقاذهم أكثر من ثقتهم في الله العلي القدير لما أعرضوا عنه جل وعلا وتوجهوا إلى الميتين، خاشعين متضرعين متذللين.
فأي كفر وضلال بعد هذا، وماذا أبقوا بعد هذا لله الذي خلقهم وصورهم؟؟
وبعد أن وصلت مع صاحبي إلى هذه الدرجة من النقاش قال لي (في ارتباك): ولكن ... ولكن ... وتطور ارتباكه إلى تلعثم، ثم عيَّ في الكلام فتظاهر بالبحث والتأمل ...
1 / 24