البصير بذنبه، المداوم على عبادة ربه، الورع الكاف عن أعراض المسلمين. قال أصحاب الشافعي «1»: الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، والمراد بالحكم النسبة التامة الخبرية التي العلم بها تصديق وبغيرها تصور، فالفقه عبارة عن التصديق بالقضايا الشرعية المتعلقة بكيفية العمل تصديقا حاصلا من الأدلة التفصيلية التي نصبت في الشرع على تلك القضايا، وهي الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
اعلم أن متعلق العلم إما حكم أو غير حكم، والحكم إما مأخوذ من الشرع أو لا، والمأخوذ من الشرع إما أن يتعلق بكيفية عمل أو لا، والعملي إما أن يكون العلم حاصلا من دليله التفصيلي الذي ينوط به الحكم أو لا. فالعلم المتعلق بجميع الأحكام الشرعية العملية الحاصلة من الأدلة هو الفقه.
فخرج العلم بغير الأحكام من الذوات والصفات، وبالأحكام الغير المأخوذة من الشرع بل من العقل كالعلم بأن العالم حادث، أو من الحس كالعلم بأن النار محرقة، أو من الوضع والاصطلاح كالعلم بأن الفاعل مرفوع. وخرج العلم بالأحكام الشرعية النظرية المسماة بالاعتقادية والأصلية، ككون الإجماع حجة والإيمان به واجبا. وخرج علم الله تعالى وعلم جبرائيل وعلم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذا علم المقلد لأنه لم يحصل من الأدلة التفصيلية. والتقييد بالتفصيلية لإخراج الإجمالية كالمقتضي والنافي، فإن العلم بوجوب الشيء لوجود المقتضي أو بعدم وجوبه لوجود النافي ليس من الفقه. والمراد بالعلم المتعلق بجميع الأحكام المذكورة تهيؤه للعلم بالجميع بأن يكون عنده ما يكفيه في استعلامه، بأن يرجع إليه فيحكم، وعدم العلم في الحال لا ينافيه «2» لجواز أن يكون ذلك لتعارض الأدلة أو لعدم التمكن من الاجتهاد في الحال لاستدعائه زمانا، وقد سبق مثل هذا في بيان العلوم المدونة وعلم المعاني.
ثم إن إطلاق العلم على الفقه وإن كان ظنيا باعتبار أن العلم قد يطلق على الظنيات كما يطلق على القطعيات كالطب ونحوه. ثم إن أصحاب الشافعي جعلوا للفقه أربعة أركان: فقالوا الأحكام الشرعية إما أن تتعلق بأمر الآخرة وهي العبادات، أو بأمر الدنيا، وهي إما أن تتعلق ببقاء الشخص وهي المعاملات، أو ببقاء النوع باعتبار المنزل وهي المناكحات، أو باعتبار المدينة وهي العقوبات.
وهاهنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى التوضيح والتلويح.
و
موضوعه
فعل المكلف من حيث الوجوب والندب والحل والحرمة وغير ذلك كالصحة والفساد.
وقيل موضوعه أعم من الفعل، لأن قولنا: الوقت سبب لوجوب الصلاة من
مسائله
وليس موضوعه الفعل. وفيه أن ذلك راجع إلى بيان حال الفعل بتأويل أن الصلاة تجب بسبب الوقت، كما أن قولهم النية في الوضوء مندوبة، في قوة أن الوضوء يندب فيه النية. وبالجملة تعميم موضوع الفقه مما لم يقل به أحد، ففي كل مسألة ليس موضوعها راجعا إلى فعل المكلف يجب تأويله حتى يرجع
Página 41