202

El Cuaderno

الكشكول

Investigador

محمد عبد الكريم النمري

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٨هـ -١٩٩٨م

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

الأديب إليه: حضر الجمل فرأيته متقادم الميلاد كأنه من نتاج قوم عاد، قد أفنته الدهور وتعاقبته العصور فظننته أحد الزوجين اللذين جعلهما الله لنوح في سفينته، وحفظ بهما جنس الجمال لذريته ناحلًا ضئيلًا باليًا هزيلًا، يعجب العاقل من طول الحياة به وتأبى الحركة فيه لأنه عظم مجلد، وصوف ملبد لو ألقى إلى السبع لأباه ولو طرح للذئب لعافه وقلاه قد طال للكلاء فقده، وبعد بالمرعى عهده، لم ير العلف إلا نائمًا ولا عرف الشعير إلا حالمًا وقد حيرتني بين أن أقتنيه فيكون فيه عناء الدهر أو أذبحه فيكون خصب الرحل، فملت إلى استبقائه، لما تعلم من محبتي للتوفر، ورغبتي في التثمير وجمعي للولد، وادخاري للغد، فلم أجد فيه مدفعًا لفناء، ولا مستمتعًا لبقاء؛ لأنه ليس بأنثى فتحمل، ولا فتى فينسل، ولا صحيح فيرعى، ولا سليم فيبقى، فملت إلى الثاني من رأيك، وعملت على الآخر من قوليك، فقلت أذبحه فيكون وظيفة للعيال، وأقيمه رطبًا مقام قديد الغزال، فأنشدني وقد أضرمت النار، وحددت الشفار وشمر الجزار شعر: أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم وقال: وما الفايدة في ذبحي وأنا لم يبق؟ إلا نفس خافت، ومقلة إنسانها بائت باهت لست بذي لحم، فأصلح للأكل لأن الدهر قد أكل لحمي، ولا جلدي يصلح للدباغ لأن الأيام مزقت أديمي ولا صوفي للغزل، فإن الحوادث قد جزت وبري: فإن أردتني للوقود فكف بعر أبقى من ناري، ولن تفي حرارة جمري بريح قتاري فوجدته صادقًا في مقالته ناصحًا في مشورته. ولم أدر من أي أمريه أعجب؟ أمن مماطلته الدهر بالبقاء، أم صبره على الضر والبلاء، أم قدرتك عليه مع أعواز مثله، أم تأهيلك الصديق به مع خساسة قدره فما هو إلا كقايم من القبور، أو ناشر عند نفخ الصور والسلام. قد يقال: إن جمع القرآن لا يسمى تصنيفًا، إذ الظاهر أن التصنيف ما كان كلام المصنف. والجواب: إن جمع القرآن إذا لم يكن تصنيفًا لما ذكرت من العلة؛ فجمع الحديث أيضًا ليس تصنيفًا، مع أن إطلاق التصنيف على كتب الحديث شايع ذائع لجامعه يرثى والده رحمه الله تعالى: قف بالطول وسلها أين سلماها ... ورو من جزع الأجفان رياها وردد الطرف في أطراف ساحتها ... وروح الروح من أرواح أرجاها وإن يفتك من الأطلال مخبرها ... فلا يفوتك مرآها ورياها

1 / 204