Kashif Amin
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين
Géneros
قال عليه السلام: [ فإن قيل: أربك قادر؟ ]،حقيقة القادر: هو من يصح منه الفعل مع سلامة الأحوال، قلنا: من يصح منه الفعل، جنس الحد يدخل فيه كل من صح منه الفعل سواء صح منه ذلك لأجل ذاته كالباري تعالى أو لأجل القدرة القائمة به كما في غيره تعالى من سائر القادرين على أفعالهم كالملائكة عليهم السلام والجن وجميع الحيوانات، وخرج بإضافة الصحة إلى الفعل صدور المسببات إلى أسبابها، فإنه لا يقال فيه صحة الفعل بل يقال صحة الأثر كانكسار الزجاج عند مصادمة الحجر وسقوط الثقيل من أعلى إلى أسفل، وقلنا: مع سلامة الأحوال، ليدخل فيه ما إذا منع من الفعل مانع بعد صحته من القادر عليه كالصحيح القوي على المشي إذا قيد بقيد منعه المشي فلا يخرج بذلك عن كونه قادرا على المشي، وكمصاحبة الضد للفعل المقدور كأن يريد أحدنا المشي يمنة حال مشيه يسرة، فإن حصولهما جميعا في حالة واحدة ممتنع، والمانع التضاد بين صفتي المشي، فإن صفة كونه يمنة ضد صفة كونه يسرة، ولكن ذلك لا يخرج القادر عليه عن كونه قادرا على المشي يمنة ولا عن كونه قادرا عليه يسرة، ولا يقال فيمن تعذر عليه الفعل لأجل التضاد عاجزا لأن العاجز من تعذر عليه الفعل الممكن في ذاته، والمتضادات يستحيل الجمع بينهما لاستحالة اجتماعهما في ذاتها، فتأمل ذلك فهو بحث نفيس، ومنه يعلم أنه لا يصح أن يقال: إن الله تعالى عاجز عن الجمع بين الضدين، ولا أن يقال: إنه قادر على ذلك لأن العجز والاقتدار على الفعل متفرعان على كون الفعل ممكن في ذاته، فأما وهو مستحيل في ذاته فلا يتصف بأيهما لأن الوصف بأيهما يستلزم أن الفعل ممكن في ذاته فهو غلط لعدم صحته وكذب لعدم مطابقته الواقع، ويدخل فيه أيضا فاقد الشرط المتمكن من تحصيله كالقيام وفتح الباب وفي رد الوديعة والمظلمة من الصحيح الحاضر، فإنه إذا ترك رد الوديعة والمظلمة بإخلاله بالقيام وفتح الباب لا يخرج بذلك عن كونه قادرا، فأما إذا تركهما لمرض مدنف فإنه يخرج عن كونه قادرا، ويدخل فيه أيضا فاقد الآلة كالدواة والقلم والرق في الكتابة في حق من يقدر عليها، فإن فقد ذلك لا يخرج عن كونه قادرا، وهذا واضح.
فإن قيل: فهلا زيد في الحد من يصح منه الفعل الممكن فلم حذفتم لفظة الممكن واستغنيتم عنها ؟
قلنا: لأن المستحيل لا يقال له فعل فلم يتناوله قولنا صحة الفعل حتى يحتاج إلى إخراجه بما اعترض به السائل، إذ المستحيل ليس بشيء فلا يتناوله العموم في قوله تعالى: {على كلي شيء قدير {.
فإن قيل: فقد حددتم الشيء بقولكم هو ما يصح العلم به والخبر عنه، والمستحيل يصح العلم به والخبر عنه بأنه لا يمكن وجوده وهذا لا يسعكم إنكاره، ولئن وسعكم إنكار دخوله في عموم قوله تعالى: {على كل شيء قدير {، ما أمكنكم إنكار دخول عمومه في قوله تعالى: {بكل شيء عليم { ؟
قلنا: أما على أصل بعض أئمتنا عليهم السلام وبعض شيعتهم وبعض المعتزلة والأشعرية القائلين بأن الشيء خاص بالموجود فقط فلا يرد السؤال ولا يدخل في عموم الآيتين، وأما على أصل بعض أئمتنا عليهم السلام وبعض شيعتهم وبعض المعتزلة القائلين بأن الشيء يتناول الموجود والمعدوم كما مر تحقيق المذهبين، فإنهم يخصون المعدوم الممكن وجوده بصحة إطلاق الشيء عليه فلا يدخل في ذلك المستحيل فلا يتناول عموم الآيتين،وأما أنه يصح العلم به والخبر عنه فقد قال سيدي شرف الإسلام الحسين بن الإمام القاسم عليهما السلام في شرح الغاية: وقد يعتذر عن هذا بأن المعدوم والمستحيل يسمى شيئا لغة.
Página 108