حد علم الكلام
أما حده: فهو علم بأصول يتوصل بها إلى معرفة الله تعالى وتوحيده وعدله، وما يترتب عليهما، فقولنا: علم، جنس الحد؛ وقولنا: بأصول، خرج به علم الفروع وعلم العربية ونحوهما؛ وقولنا: يتوصل بها إلى آخره، خرج بذلك علم أصول الفقه وأصول الشرائع؛ ونعني بالأصول هاهنا القواعد الكلية والقوانين العقلية، كقولنا: القديم قديم بذاته بمعنى أنه لا يحتاج إلى غيره يجعله قديما، والمحدث يحتاج إلى محدث والشيء لا يحدث نفسه، والضدان لا يجتمعان، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والمختلفان يصح فيهما الاجتماع والارتفاع، والمثلان يسد كل واحد منهما مسد الآخر، والجسم يقوم بنفسه لا يخلو عن العرض ولا بد له من حيز يكون فيه ويجوز عليه التجزيء والانقسام ويستحيل عليه الكون في جهتين في وقت واحد، والعرض لا يقوم بنفسه فلا بد له من جسم يقوم به، وما حله المحدث فهو محدث مثله، إلى غير ذلك من القواعد الكلية التي لا تنتقض أصلا، والقوانين العقلية التي تعرف صحة كل شيء أو فساده برده إليها، وقولنا: وما يترتب عليهما، نريد به إدخال مسائل النبوة والإمامة والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والشفاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأحوال المعاد إلى غير ذلك مما يذكر في هذا الفن؛ قال القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس رحمه الله تعالى: ونعني بالترتيب الترتيب الأخص بحيث لا يصير أحدهما أصلا والثاني فرعا، فلا يرد دخول مسائل الشرع الفرعية في قيد الترتيب.
قلت: وفي تفسيره الترتيب الأخص بقوله: بحيث لا يصير أحدهما أصلا والثاني فرعا، نظر، إذ من المعلوم أن العدل والتوحيد أصلان يتفرع عليهما جميع ما ذكر، فالقياس تفسير الترتيب الأخص اللازم باللزوم عنهما لزوما أوليا بحيث يشاركهما في وجوب الاعتقاد والتصديق، ويصير الجميع أصولا يجب معرفة كل واحد منها على حدته.
Página 10