فإن قلت: وما تريد بقولك: ولهذا لم يأتي بحرف العطف المؤذن بالمغايرة ؟
قلت: لأن المفردات والجمل المتعاقبات إن كانت التالية في معنى المتلوة لزم عند علماء البيان أن تجرد عن حرف العطف،وإن كانت في معنى آخر لزم الإتيان به ومثال الجميع قوله تعالى: {حم o تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم o غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} [غافر:1-3]، فإن الثلاث الصفات الأول لما فهم معناها من لفظ الاسم الشريف جردت عن حرف العطف، إذ لا يصح أن يقال من الله والعزيز والعليم وغافر الذنب لأن العطف يقتضي التغاير، ولما كانت الرابعة وهي قوله تعالى: {وقابل التوب{، منزلة من متلوتها بمنزلة الشرط من المشروط وهما متغايران بالحقيقة وإن كان بينهما تلازم قرنت بالواو، ثم قوله: {شديد العقاب{، وقوله: {ذي الطول{، وقوله: {لا إله إلا هو{، الثلاث الجمل لما كان يعود معناها إلى معنى العزيز الحكيم جردت عن حرف العطف لتؤذن بالتوكيد وتصير ماسكة بما قبلها كإمساك التابع بمتبوعه، وكذلك كلام المؤلف عليه السلام فإن جملة هذه الفقرة جميعها مما قبلها مبينة ومؤكدة فجردت عن العاطف في قوله الذي لم يسبقه الخ، ولما كانت مفردات الفقرة فيما بينها متغايرة في قوله: وقت ولا زمان ولا تحويه جهة ولا مكان قرنت بالواو.
إن قيل: فالوقت والزمان متحدان في المعنى وكذلك الجهة والمكان، فكيف قلت بتغايرها وأدخلت الواو بينهما ؟
قلنا: لا يسلم الاتحاد فإن الوقت بعض الزمان والجهة: هي الفراغ الفاضي وذلك كالجهات الست فإنها فراغ فاضي في جهة اليمين وجهة الشمال وسائرها، والمكان: هو المحل الذي يقبل الثقيل ويمنعه الهوي.
Página 22