الحمد لله الذي أنشأ أصناف الموجودات، وجعلها دليلا على ربوبيته وانفراده بأزليته، وألزمها إمكان الزيادة والنقصان لإقامة الحجة على إحداثه لها، وجواز فنائها باقتداره ومشيئته، ووسمها بالأعراض المختلفات والمتشابهات ليرشد قلوب العارفين أنه لا يشبه شيئا من بريته، الحي الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وكل شيء عنده بمقدار، السميع البصير الذي يدرك خفيات الأصوات، ويشاهد ما في قعور البحار وما تحت كثيفات الأستار، المتعالي عن إداركه بالأبصار، والمتقدس عن توهمه بالأفكار، القريب إلى خلقه بتدبيره إياه حسبما يريد، والرقيب على ضمائر الصدور وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة صادرة عن محض الإيقان، ناطقة بأفصح البيان، مقرونة بأعظم البرهان الواحد الأحد في قدمه بلا ثاني، والفرد المتفرد بوجوب بقائه بلا حاجة له إلى شيء من المعاني، سبحانه هو الغني عما سواه على الإطلاق، وهو الذي خلق الموت والحياة، وقدر القدرة والدراية في خلقه على وفق الحكمة والاتساق، فكيف يقال بقدم شيء من هذه الأوصاف المختلفة الماهيات، والمتشابهة الكيفيات، والمخلوقة الآنيات، وتجعل قائمة بذات باري البريات، تعالى عما يقوله الجاهلون وإن توهم ذلك وزخرفه المبطلون، وأشهد أنه العدل الحكيم الذي لا يقضي بالفساد، ولا يريد شيئا من معاصي العباد الذي أمر بالطاعات ليثيب عليها، ونهى عن المعاصي وزجر عنها، ولم يأمر العباد إلا بما يطيقون، ولم يزجرهم عما هم به مطوقون، وأشهد أن محمدا عبده ونبيه الذي أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وجعله داعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا، وأنزل عليه كتابا عربيا أحدث كلماته وفصلها تفصيلا، وجعل{ منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} [آل عمران:7]، ليبلوهم أيهم أحسن عملا وأصدق تأويلا، وجعله المعجزة الباقية ببقاء شرعه إلى منقطع التكليف. وقرنه بالعترة النبوية إلى أن يردا عليه الحوض يوم العرض على الخبير اللطيف، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وعلى أصحابه الذين اتبعوهم بإحسان أولا وأخيرا.
وبعد: فلما كان المختصر الموسوم بالعقد الثمين في معرفة رب العالمين وعدله في المخلوقين، ونبوة النبيين، وحصر الإمامة في الآل الطاهرين وغير ذلك من سائر مسائل أصول الدين مؤلف مولانا الإمام الناقد البصير الأمير الكبير شرف الإسلام ناشر علوم عترة سيد الأنام الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن الإمام المنتصر بالله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين عليهم السلام، من أجل الكتب التي ألفت بهذا الفن على معتقد أئمتنا عليهم السلام في المعارف الإلهية، وسائر مسائل الأصول الدينية التي يلزم المكلف معرفتها ولا ينبغي لمسلم أن يجهل مقالهم فيها وأدلتها.
Página 3