Kashif Amin
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين
Géneros
ويمكن الجواب على ما يرد على الأول بأن الإجماع محله غير محل البحث الذي نحن بصدده، لأنهم إنما أجمعوا على ذلك بمعنى أن الله تعالى يفني كل شيء ويهلكه لقيام الدليل السمعي بذلك ودلالة العقل على إمكانه وكلامنا في بقائه حتى يفنيه، وفي بقاء الأجسام والأعراض الباقية في الآخرة هل هو بالذات أم بفاعل تلك الذوات ؟ ولم يجمعوا على أنه لا باقي بذاته لو لم يفنه الله تعالى ويهلكه إلا الله تعالى، وأما لزوم الاستغناء عن الله تعالى في وجود الباقي، فإن أريد بذلك إلزام الاستغناء في إيجاد ذلك الموجود فلا يسلم اللزوم، وإن أريد في استمراره وجوده فهو محل البحث وللخصم أن يلتزمه بشرط أن لا يفنيه فاعل الذات، ولا يسبب عليه ما يستلزم إعدامه من طروء ضد ونحوه نحو ما يذهب منها بشدة الحر والبرد وسائر العاهات كالحيوانات والمياه والثمار وسائر الخضراوات.
ويمكن الجواب على ما يرد على الثاني بأن ما ذكر في الفرع الأول هو في هل البقاء صفة زائدة على ذات الباقي، وكلامنا هاهنا هل استمرار البقا هو بالفاعل أم بنفس الذات ؟ وهو يمكن القول بأن ذلك بالفاعل من دون أن يكون ثمة صفة زائدة على ذات الباقي إذ لا تنافي بين القولين، وأما لزوم تحصيل الحاصل فلا يسلم أن هذا منه لأن تحصيل الحاصل المحال هو إيجاد الموجود بإعادة إيجاده الأول لا جعله مستمر الوجود فليس من ذلك.
فقد اندفع ما يرد على كلا القولين، وبقية المسألة محل نظر واحتمال، فيطلب الترجيح بالدليل الراجح، والأظهر هو القول الثاني لأن استمرار وجود الشيء هو من جنس إيجاد الشيء وفاعل الجنس هو فاعل ما هو من جنسه وإلا لزم أن الاستمرار إما مقتضى عن الذات أو مفعول للذات أو لا فاعل له، الأول باطل للزوم ذلك في كل ذات، وقد علمنا أن فيها ما لا يبقى كالصوت ونحوه والأخيرين محال، فثبت القول الثاني، ولزم بطلان الأول لأنه بمقابله.
Página 174