Kashif Amin
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين
Géneros
الأول: إن الله تعالى يعلم جميع المعلومات، وقد ذكره عليه السلام بقوله [ وهو تعالى لا يختص بمعلوم دون معلوم ] لأنه تعالى عالم لذاته ولا اختصاص لذاته بمعلوم دون معلوم [ فيجب أن يعلم جميع المعلومات ] كبيرها وصغيرها ودقيقها وجليلها وموجودها ومعدومها، أما على قول جمهور أئمتنا عليهم السلام ومن وافقهم من: أن صفات الله تعالى لأجل ذاته، فلا إشكال، وأما على قول أبي علي ومن وافقه من: أن الصفات مقتضاة عن ذاته، فكذلك لأن خروج المقتضي عن المقتضى لا يجوز كخروج الجسم عن التحيز، فإن ذلك لا يصح بحال، وأما على قول أبي هاشم ومن وافقه: أنها مقتضاة من الصفة الأخص وهي مقتضاة عن الذات، فكذلك أيضا فلا يصح على أقوال الجميع اختصاص ذاته تعالى بمعلوم دون معلوم، وأما على قول المجبرة من: أنه تعالى يتصف بصفاته تعالى من كونه قادرا وعالما ونحوهما لأجل المعاني القائمة بذاته فلا يتأتى لهم تعميم الدليل في كل المعلومات لأن المعنى يصح أن يفارق ما قام به فيخرج عن كونه تعالى عالما، لأن ذلك المعنى ليس واجبا عندهم لأجل الذات حتى يستحيل خروج الذات عنه، لأنه لو صح عندهم أن يكون للذات لكان يصح أن يقولوا: إن الصفات للذات فيستريحوا عن التكلف لإثبات المعنى، ولأنه لا يصح تعميم تعلق المعنى بجميع المعلومات إذ شان المعنى صحة تعلقه بشيء، دون شيء فيصح على ذلك أن يكون تعالى عالما بمعلوم دون معلوم، فتأمل ما في قولهم من الزلل والخلل فهو تعالى يعلم كل المعومات على كل حال و[ على كل الوجوه التي يصح أن تعلم عليها ]، بمعنى أن ما علمه سبحانه وتعالى فهو الواقع على حسب ما علمه فيستحيل أن ينكشف خلافه، لأن العلم بالشيء لا على ما هو عليه في نفسه ليس بعلم، بل جهل مركب وذلك محال في حقه تعالى، لأن ذلك نوع من الاعتقادات الفاسدة والأعراض الحادثة وصفة نقص لا تجوز إلا على المحدثات [ فهو سبحانه ] وتعالى عالم في علمه بالأشياء جميعها، كذلك [ يعلم ] كل [ ما أجن عليه الليل، وأضاء عليه النهار ] لا يخفى عليه شيء في بطن بر أو ظهره ولا في وجه بحر أو قعره، لأن ذلك كله فعله وصنعه فهو عالم به، ولأنه كما سبق عالم بذاته فيعلم جميع أفعاله وجميع أفعال عباده لا وجه لتخصيص عالميته بشيء دون شيء، وأجنه الليل: أي ستره، مأخوذ من الجنة وهي الساترة، ومنه الجن لما كانوا مستورين، والجنة للبستان الذي سترت أشجاره عرصته [ ويعلم عدد قطر الأمطار و] عدد قطر [ البحار ] وهذا من عطف الخاص على العام، لأن ذلك قد دخل في قوله: ما أجن عليه الليل وأضاء عليه النهار، وكذلك قوله، [ ويعلم السر - وهو ما بين اثنين - و] يعلم [ ما هو أخفى ] من السر [ وهو ] ما يحدث في النفوس من الوسوسة والعزم ونحوهما من [ ما لم يخرج بين شفتين - ] وهذا قول أكثر المفسرين في معنى السر وما هو أخفى، وقال الهادي عليه السلام وتبعه الإمام القاسم في الأساس عليه السلام: السر ما انطوت عليه الضمائر كأنهما يجعلا ما بين اثنين من قبيل النجوى وهو التناجي - أي التخاطب - سواء كان بين اثنين أو أكثر، لكن ينظر على كلامهما عليهما السلام في تفسير ما هو أخفى، ويمكن أن يفسراه بمجرد ما يخطر من الحدس والخيال من دون أن يصحبه عزم وتصميم وإرادة واعتقاد ونحو ذلك من أفعال القلوب، لأن الأول من أفعال القلوب غير مؤاخذ به ولا تعلق له بالإنسان وجودا ولا انتفاء وعليه الحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تهم أو تعزم" وقوله تعالى: {ولكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب:5].
واحتج الإمامان عليهما السلام بقوله تعالى: {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} [يوسف:77]، وحجة الأولين قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم} [الأنبياء:3].
Página 138